Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 89-90)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } ، من كل وجه من العِبَر والأحكام والوعد والوعيد وغيرها ، { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا } ، جحوداً . قوله عزّ وجلّ : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } ، لن نصدقك ، { حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب { تَفْجُرَ } بفتح التاء وضم الجيم مخففاً ، لأن الينبوع واحد ، وقرأ الباقون بالتشديد من التفجير ، واتفقوا على تشديد قوله : { فتفجِّر الأنهار خلالها تفجيراً } ، لأن الأنهار جمع ، والتشديد يدل على التكثير ، ولقوله : " تفيجراً " من بَعْدُ . وروى عكرمة عن ابن عباس : " أن عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، والنضر بن الحارث ، وأبا البختري بن هشام ، والأسود بن عبدالمطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام ، وعبدالله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، ونبيهاً ومنبهاً ابني الحجاج ، اجتمعوا ومن اجتمع معهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلِّموك ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً ، وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء ، وكان عليهم حريصاً ، يحب رشدهم حتى جلس إليهم ، فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعِبْتَ الدين ، وسفَّهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرَّقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بينك وبيننا ، فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تطلب الشرف سوّدناك علينا ، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الأمر الذي بك رَئِيٌّ تراه قد غلب عليك ، لا تستطيع ردَّه ، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه ، أو نعذر فيك ، وكانوا يسمُّون التابع من الجن : الرَّئِّي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا الشرف عليكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل عليّ كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلّغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردُّوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . فقالوا : يا محمد إن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك فقد علمتَ أنه ليس أحد أضيق منّا بلاداً ولا أشد منّا عيشاً ، فسل لنا ربك الذي بعثك فليسيِّر عنا هذه الجبال ، فقد ضيقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ويفجّر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا مَنْ مضى من آبائنا ، وليكن منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً ، فنسألهم عمّا تقول : أحقٌّ هو أم باطل ، فإن صدقوك صدقناك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بهذا بعثتُ ، فقد بلغتكم ما أُرسلت به ، فإن تقبلوه مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردُّوه أصبر لأمر الله . قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكاً يصدقك ، واسأله أن يجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة يغنيك بها عمّا نراك ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه . فقال : ما بعثتُ بهذا ولكنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً . قالوا : فأسقِطْ السماء كما زعمت ، إن ربك لو شاء فعل . فقال : ذلك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم فعله . وقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه عبدالله بن أبي أمية ، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبدالمطلب ، فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا عليك فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله تعالى فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجِّل ما تخوِّفهم به من العذاب ، فلم تفعل ، فوالله لا أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ترقٰى فيها وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورةٍ معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً لِما رأى من مباعدتهم ، فأنزل الله تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْض } يعني : أرض مكة { يَنْبُوعًا } أي : عيوناً . "