Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 65-69)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ } أي جاوزوا الحد وأصل السبت : القطع ، قيل : سمي يوم السبت بذلك لأن الله تعالىٰ قطع فيه الخلق ، وقيل : لأن اليهود أمروا فيه بقطع الأعمال ، والقصة فيه : أنهم كانوا زمن داود عليه السلام بأرض يقال لها أيلة حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت ، فكان إذا دخل السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها ، حتى لا يرى الماء من كثرتها ، فإذا مضى السبت تفرقن ولزمن مَقْلَ البحرِ ، فلا يرى شيء منها فذلك قوله تعالى { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } [ الأعراف : 163 ] . ثم إن الشيطان وسوس إليهم وقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر ، وشرَّعوا منه إليها الأنهار ، فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار ، فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض ، فلا يقدرن على الخروج لبعد عمقها وقلة مائها ، فإذا كان يوم الأحد أخذوها ، وقيل : كانوا يسوقون الحيتان إلى الحياض يوم السبت ولا يأخذونها ثم يأخذونها يوم الأحد ، وقيل : كانوا ينصبون الحبائل والشخوص يوم الجمعة ويخرجونها يوم الأحد ففعلوا ذلك زماناً ولم تنزل عليهم عقوبة فتجرؤوا على الذنب وقالوا : ما نرى السبت إلا قد أحل لنا فأخذوا وأكلوا وملّحوا وباعوا واشتروا وكثر مالهم ، فلما فعلوا ذلك صار أهل القرية ، وكانوا نحواً من سبعين ألفاً ، ثلاثة أصناف : صنف أمسك ونهى ، وصنف أمسك ولم ينه ، وصنف انتهك الحرمة ، وكان الناهون اثني عشر ألفاً ، فلما أبى المجرمون قبول نصحهم قالوا : والله لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بجدار وعبروا بذلك سنتين ، فلعنهم داود عليه السلام ، وغضب الله عليهم لإصرارهم على المعصية فخرج الناهون ذات يوم من بابهم ولم يخرج من المجرمين أحد ولم يفتحوا بابهم ، فلما أبطؤوا تسوروا عليهم الحائط فإذا هم جميعاً قردة لها أذناب يتعاوون ، قال قتادة : صار الشبان قردة والشيوخ خنازير فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام ولم يتوالدوا . قال الله تعالىٰ { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً } أمر تحويل وتكوين { خَـٰسِئِينَ } مبعدين مطرودين ، وقيل : فيه تقديم وتأخير أي كونوا خاسئين قردة ولذلك لم يقل خاسئات ، والخسأ الطرد والإِبعاد ، وهو لازم ومتعد يقال : خَسَأْتُه خَسْأً فخسأ خُسُوءاً مثل : رجعته رجعاً فرجع رجوعاً { فَجَعَلْنَـٰهَا } أي جعلنا عقوبتهم بالمسخ { نَكَـٰلاً } ، أي عقوبة وعبرة ، والنكال اسم لكل عقوبة ينكل الناظر من فعل ما جعلت العقوبة جزاء عليه ، ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع ، وأصله من النِّكْل وهو القيد يكون وجمعه : أنكالاً { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } قال قتادة : أراد بما بين يديها يعني ما سبقت من الذنوب ، أي جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدم من ذنوبهم قبل نهيهم عن أخذ الصيد { وَمَا خَلْفَهَا } ما حضر من الذنوب التي أخذوا بها ، وهي العصيان بأخذ الحيتان ، وقال أبو العالية والربيع : عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم أن يستنوا بسنتهم ، و ( ما ) الثانية بمعنى مِنْ ، وقيل : ( جعلناها ) أي جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة لما بين يديها أي القرى التي كانت مبنية في الحال { وَمَا خَلْفَهَا } ما يحدث من القرى من بعد ليتعظوا ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : فجعلناها وما خلفها ، أي ما أعدَّ لهم من العذاب في الآخرة ، نكالاً وجزاء لما بين يديها أي : لما تقدم من ذنوبهم باعتدائهم في السبت { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } : للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يفعلون مثل فعلهم . قوله تعالى : { وإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } البقرة هي الأُنثى من البقر يقال : هي مأخوذة من البَقْر وهي الشق ، سميت به لأنها تشقَّ الأرض للحراثة . والقصة فيه أنه كان في بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له سواه ، فلما طال عليه موته قتله ليرثه ، وحمله إلى قرية أُخرى وألقاه بفنائهم ، ثم أصبح يطلب ثأره وجاء بناسٍ إلى موسى يدعي عليهم القتل ، فسألهم موسى فجحدوا ، واشتبه أمر القتيل على موسى ، قال الكلبي : وذلك قبل نزول القَسَامة في التوراة ، فسألوا موسى أن يدعو الله ليبيَّن لهم بدعائه ، فأمرهم الله بذبح بقرة فقال لهم موسى : إِنَّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة { قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } أي : تستهزىء بنا ، نحن نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح البقرة ! ! وإنما قالوا ذلك لبعد ما بين الأمرين في الظاهر ، ولم يدروا ما الحكمة فيه ، قرأ حمزة هُزُوا وكفوُا بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتثقيل ، وبترك الهمزة حفص { قَالَ } موسى { أَعُوذُ بِٱللَّهِ } أمتنع بالله { أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي من المستهزئين بالمؤمنين وقيل : من الجاهلين بالجواب لا على وفق السؤال لأن الجواب لا على وفق السؤال جهل ، فلما علم القوم أن ذبح البقرة عَزْمٌ من الله عز وجل استوصفوها ، ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم وكانت تحته حكمة ، وذلك أنه كان في بني اسرائيل رجل صالح له ( ابن ) طفل وله عِجْلةٌ أتى بها إلى غيضة وقال : اللهم إِني أستودعك هذه العجلة لابني حتى تكبر ، ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عواناً ، وكانت تهرب من كل من رآها فلما كبر الابن وكان باراً بوالدته ، وكان يقسم الليل ثلاثة أثلاث يصلي ثلثاً وينام ثلثاً ، ويجلس عند رأس أمه ثلثاً ، فإذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتي به إلى السوق ، فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه ، ويأكل ثلثه ، ويعطي والدته ثلثه ، فقالت له أمه يوماً : إن أباك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا انطلق وادع إلٰه ابراهيم واسماعيل واسحاق أن يردها عليك وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها ، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها ، وقال : أعزم بإلٰه ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب أن تأتي إليّ فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها ، فتكلمت البقرة بإذن الله تعالىٰ فقالت : أيها الفتى البار بوالدتك اركبني فإن ذلك أهون عليك ، فقال الفتى : إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت : خذ بعنقها ، فقالت البقرة : بإلٰه بني اسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبداً ، فانطلِقْ فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بأمك ، فسار الفتى بها إلى أمه فقالت له : إنك فقير لا مال لك فيشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة ، قال : بكم أبيعها ؟ قالت : بثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتي وكان ثمن البقرة يومئذ ثلاثة دنانير ، فانطلق بها إلى السوق ، وبعث الله مَلَكاً ليُرِىَ خَلْقَه قُدْرَتهَ وليختبر الفتى كيف بَرَّ بوالدته ، وكان الله به خبيراً فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة ؟ قال : بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضى والدتي فقال الملك : لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضى أمي فردها إلى أمه فأخبرها بالثمن فقالت : ارجع فبعها بستة دنانير على رضى مني ، فانطلق بها إلى السوق وأتى الملك فقال : استأمرت أمك فقال الفتى : إنها أمرتني أن لا أنقصها عن ستةٍ على أن أستأمرها فقال الملك فإني أعطيك اثني عشر على أن لا تستأمرها ، فأبى الفتى ، فرجع إلى أمه فأخبرها ، فقالت إن الذي يأتيك ملك في صورة آدمي ليختبرك فإذا أتاك فقل له : أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا ؟ ففعل فقال له الملك : اذهب إلى أمك وقل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى بن عمران عليه السلام يشتريها منك لقتيل يقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير ، فأمسكوها ، وقدّر الله تعالىٰ على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها فما زالوا يستوصفون موسى حتى وصف لهم تلك البقرة ، مكافأة له على بره بوالدته فضلاً منه ورحمة فذلك : قوله تعالىٰ { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ } أي ما صفتها { قَالَ } موسى { إِنَّهُ يَقُولُ } يعني فسأل الله تعالىٰ فقال : إنه ، يعني أن الله تعالىٰ يقول { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } أي لا كبيرة ولا صغيرة ، والفارض المسنة التي لا تلد ، يقال منه : فرضت تفرض فروضاً ، والبكر الفتاة الصغيرة التي لم تلد قط ، وحذفت الهاء منهما للاختصاص بالإِناث كالحائض { عَوَانٌ } وسط نَصَفَ { بَيْنَ ذٰلِكَ } أي بين السنّين ، يقال عوَّنت المرأةُ تعويناً : إذا زادت على الثلاثين ، قال الأخفش العوان : التي لم تلد قط ، وقيل : العوان التي نتجت مراراً وجمعها عُوْن { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال { قَالُواْ : ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } قال ابن عباس : شديد الصفرة ، وقال قتادة : صافٍ ، وقال الحسن : الصفراء السوداء ، والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقع ، إنما يقال : أصفر فاقع ، وأسود حالك وأحمر قانىء ، وأخضر ناضر ، وأبيض بقق للمبالغة ، { تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ } : إليها يعجبهم حُسنها وصفاء لونها .