Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 62-64)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُوا } يعني اليهود سموا به لقولهم : إنا هدنا إليك أي مِلنا إليك ، وقيل : لأنهم هادوا أي تابوا عن عبادة العجل ، وقيل : لأنهم مالوا عن دين الإِسلام ، وعن دين موسى عليه السلام ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة ويقولون : إن السمٰوات والأرض تحركت حين أتى الله موسى التوراة { وَٱلنَّصَـٰرَىٰ } سموا به لقول الحواريين : نحن أنصار الله ، وقال مقاتل : لأنهم نزلوا قرية يقال لها ناصرة ، وقيل لاعتزائهم إلى نَصِرَة وهي قرية كان ينزلها عيسى عليه السلام . { وَٱلصَّـٰبِئِينَ } قرأ أهل المدينة : والصابين والصابون بترك الهمزة والباقون بالهمزة ، وأصله : الخروج ، يقال : صبأ فلان أي خرج من دين إلى دين آخر ، وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها ، وصبأ ناب البعير إذا خرج ، فهؤلاء سموا به لخروجهم من دين إلى دين ، قال عمر وابن عباس : هم قوم من أهل الكتاب ، قال عمر رضي الله عنه : ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب ، وقال ابن عباس : لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم ، وقال مجاهد : هم قبيلة نحو الشام بين اليهود والمجوس ، وقال الكلبي : هم قوم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبوُّن مذاكيرهم ، وقال قتادة : قوم يقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة ، ويصلون إلى الكعبة ويقرون بالله تعالى ، أخذوا من كل دين شيئاً ، قال عبد العزيز بن يحيى : انقرضوا . { مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } فإن قيل : كيف يستقيم قوله ( من آمن بالله ) وقد ذكر في ابتداء الآية ( إن الذين آمنوا ) ؟ قيل : اختلفوا في حكم الآية فقال بعضهم : أراد بقوله : ( إن الذين آمنوا ) على التحقيق ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين فقال قوم : هم الذين آمنوا قبل المبعث وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار ، وقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، والبراء السني ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وبحيرا الراهب ، ووفد النجاشي ، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه ، ومنهم من لم يدركه . وقيل : هم المؤمنون من الأمم الماضية ، وقيل : هم المؤمنون من هذه الأمة ( والذين هادوا ) الذين كانوا على دين موسى عليه السلام ، ولم يبدلوا ، والنصارى ، الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام ولم يغيروا وماتوا على ذلك ، قالوا : وهذان الاسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهما السلام حيث كانوا على الحق ، كالإسلام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والصابئون زمن استقامة أمرهم { مَنْ ءَامَنَ } أي من مات منهم وهو مؤمن لأن حقيقة الإيمان بالموافاة ، ويجوز أن يكون الواو مضمراً أي : ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة ، وقال بعضهم : إن المذكورين بالايمان في أول الآية على طريق المجاز دون الحقيقة ، ثم اختلفوا فيهم فقال بعضهم : الذين آمنوا بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك وقيل : أراد بهم المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم ، واليهود والنصارى الذين اعتقدوا اليهودية والنصرانية بعد التبديل والصابئون بعض أصناف الكفار { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } من هذه الأصناف بالقلب واللسان { وَعَمِلَ صَـٰلِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } ، إنما ذكر بلفظ الجمع لأن ( من ) يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } في الدنيا { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } في الآخرة . قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ } عهدكم يا معشر اليهود { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } وهو الجبل بالسريانية في قول بعضهم ، وهو قول مجاهد ، وقيل : ما من لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن ، وقال الأكثرون : ليس في القرآن لغة غير لغة العرب لقوله تعالىٰ : ( قرآناً عربياً ) وإنما هذا وأشباهه وقع وفاقاً بين اللغتين ، وقال ابن عباس : أمر الله تعالىٰ جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم ، وذلك أن الله تعالىٰ أنزل التوراة على موسى عليه السلام فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها فأبوا أن يقبلوها للآصار والأثقال التي هي فيها ، وكانت شريعة ثقيلة فأمر الله تعالىٰ جبريل عليه السلام فقلع جبلاً على قدر عسكرهم ، وكان فرسخاً في فرسخ ، فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل كالظلة ، وقال لهم : إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم ، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالىٰ عنهما : رفع الله فوق رؤوسهم الطور ، وبعث ناراً من قبل وجوههم ، وأتاهم البحر المالح من خلفهم { خُذُواْ } أي قلنا لهم خذوا { مَآ ءَاتَيْنَـٰكُم } أعطيناكم { بِقُوَّةٍ } بجد واجتهاد ومواظبة { وَٱذْكُرُواْ } وادرسوا { مَا فِيهِ } وقيل احفظوه وعملوا به { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى ، فإن قبلتم وإلا رضختكم بهذا الجبل وأغرقتكم في هذا البحر وأحرقتكم بهذه النار ، فلما رأوا أن لا مهرب لهم عنها قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود ، فصار سنةً في اليهود ، ولا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم ، ويقولون : بهذا السجود رفع العذاب عنا . { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم } أعرضتم { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } من بعد ما قبلتم التوراة { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } يعني بالإِمهال والإِدراج وتأخير العذاب عنكم { لَكُنتُم } لصرتم { مِّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } من المغبونين بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة وقيل : من المعذبين في الحال لأنه رحمهم بالإِمهال .