Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 6-10)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ الَّذينَ كَفَرُواْ } يعني مشركي العرب قال الكلبي : يعني اليهود . والكفر هو الجحود وأصله من الكفر وهو الستر ومنه : سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلمته وسمي الزراع كافراً لأنه يستر الحب بالتراب ، والكافر يستر الحق بجحوده . والكفر على أربعة أنحاء : كفر إنكار ، وكفر جحود ، وكفر عناد ، وكفر نفاق ، فكفر الإنكار : أن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به ، وكفر الجحود هو : أن يعرف الله تعالى بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس وكفر اليهود . قال الله تعالىٰ : { فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] ، وكفر العناد هو : أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول : @ وَلَقد عَلمْتُ بأنَّ ديْنَ مُحمَّدٍ مِن خَيْر أَدْيَانِ البَريَّة دينا لولا المَلامَةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ لَوَجَدتَنِي سَمْحاً بذاَكَ مُبِينَاً @@ وأما كفر النفاق فهو أن يقرّ باللسان ولا يعتقد بالقلب ، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله تعالىٰ بواحد منها لا يغفر له . قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ } : أي متساوٍ لديهم { ءَأَنذَرْتَهُمْ } خوّفتهم وحذرتهم ، والإِنذار إعلام مع تخويف وتحذير ، فكل منذر مُعْلِم وليس كل مُعْلِم منذراً ، وحقق ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي الهمزتين في { ءَأَنذَرْتَهُمْ } ، وكذلك كل همزتين تقعان في أول الكلمة ، والآخرون يليِّنون الثانية { أَمْ } حرف عطف على الاستفهام { لَمْ } حرف جزم لا يلي إلا الفعل ، لأن الجزم يختص بالأفعال { تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنوُنَ } وهذه الآية في أقوام حقت عليهم كلمة الشقاوة في سابق علم الله ، ثم ذكر سبب تركهم الإيمان فقال : { خَتَمَ ٱللَّهُ } طبع الله { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فلا تعي خيراً ولا تفهمه . وحقيقة الختم الاستيثاق من الشيء كيلا يدخله ما خرج منه ولا يخرج عنه ما فيه ، ومنه الختم على الباب . قال أهل السنة : أي : حكم على قلوبهم بالكفر ، لما سبق من علمه الأزلي فيهم ، وقال المعتزلة : جعل على قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها . { وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ } : أي : على موضع سمعهم فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به ، وأراد على أسماعهم كما قال : على قلوبهم ، وإنما وحَّده لأنه مصدر ، والمصدر لا يُثنى ولا يُجمع . { وَعَلَىٰ أَبْصَـٰرِهِمْ غِشَـٰوَةٌ } هذا ابتداء كلام . غشاوة أي : غطاء ، فلا يرون الحق . وقرأ أبو عمرو الكسائي أبصارهم بالامالة وكذا كل ألف بعدها راء مجرورة في الأسماء كانت لام الفعل يميلانها ، ويميل حمزة منها ما يتكرر فيه الراء كالقرار ونحوه . زاد الكسائي إمالة جبارين والجوار والجار وبارئكم ومن أنصاري ونسارع وبابه . وكذلك يُميل هؤلاء كل ألف بمنزلة لام الفعل ، أو كان علماً للتأنيث ، إذا كان قبلها راء ، فعلم التأنيث مثل : الكبرى والأخرى . ولام الفعل مثل : ترى ، وافترى ، يكسرون الراء فيها . { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي : في الآخرة ، وقيل : القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى . والعذاب : كل ما يعنيِّ الإنسان ويشق عليه . قال الخليل : العذاب ما يمنع الانسان عن مراده ، ومنه الماء العذب ، لأنه يمنع العطش . قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ } نزلت في المنافقين عبد الله بن أُبي بن سلول ، ومعتب بن قشير ، وجدِّ بن قيس وأصحابهم حيث أظهروا كلمة الإِسلام ليسلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود ، والناس جمع انسان سمي به لأنه عهد إليه فنسي ، كما قال الله تعالىٰ : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] ، وقيل : لظهوره من قولهم آنست أي أبصرت ، وقيل : لأنه يستأنس به { وَبِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } ، أي بيوم القيامة . قال الله تعالىٰ : { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } أي يخالفون الله وأصل الخدع في اللغة الإِخفاء ، ومنه المخدع للبيت الذي يخفى فيه المتاع فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر والخدع من الله في قوله { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] ، أي يظهر لهم ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم من عذاب الآخرة . وقيل : أصل الخدع : الفساد ، معناه يفسدون ما أظهروا من الإِيمان بما أضمروا من الكفر . وقوله : ( وهو خادعهم ) أي : يُفسد عليهم نعيمهم في الدنيا بما يصيِّرهم إليه من عذاب الآخرة فإن قيل ما معنى قوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } والمفاعلة للمشاركة وقد جلَّ الله تعالىٰ عن المشاركة في المخادعة ؟ قيل : قد ترد المفاعلة لا على معنى المشاركة كقولك عافاك الله وعاقبت فلاناً ، وطارقت النعل . وقال الحسن : معناه يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالىٰ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 57 ] ، أي أولياء الله ، وقيل : ذِكْرُ الله هاهنا تحسين والقصد بالمخادعة الذين آمنوا كقوله تعالىٰ : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] وقيل معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع في دينهم { وَٱلَّذِينَ ءَامَنوُا } أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم آمنا وهم غير مؤمنين ، { وَمَا يَخْدَعُونَ } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وما يخادعون كالحرف الأول وجعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد . وقرأ الباقون : وما يخدعون على الأصل . { إلاَّ أَنفُسَهُمْ } لأن وبال خداعهم راجع إليهم لأن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى { وَمَا يَشْعُرُونَ } أي لا يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم { فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } شك ونفاق وأصل المرض الضعف . وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه يضعف الدين كالمرض يضعف البدن . { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا } لأن الآيات كانت تنزل تترى ، آية بعد آية ، كلما كفروا بآية ازدادوا كفراً ونفاقاً وذلك معنى قوله تعالىٰ : { وأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] وقرأ ابن عامر وحمزة فزادهم بالإمالة وزاد حمزة إمالة زاد حيث وقع وزاغ وخاب وطاب وحاق وضاق ، والآخرون لا يميلونها { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم { بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } ما للمصدر أي بتكذيبهم الله ورسوله في السر . قرأ الكوفيون يكذبون بالتخفيف أي : بكذبهم ( إذ ) قالوا : آمنا وهم غير مؤمنين .