Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 87-90)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا } أعطينا { مُوسَى الْكِتَـابَ } التوراة ، جملة واحدة { وَقَفَّيْنَا } وأتبعنا { مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } رسولاً بعد رسول { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الدلالات الواضحات وهي ما ذكر الله في سورة آل عمران والمائدة وقيل : أراد الإِنجيل { وَأَيَّدْنَـاهُ } قوّيناه { بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } قرأ ابن كثير القدس بسكون الدال والآخرون بضمها وهما لغتان مثل الرُّعْب والرُّعُب ، واختلفوا في روح القدس ، قال الربيع وغيره : أراد بالروح الروح الذي نفخ فيه ، والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريماً وتخصيصاً نحو بيت الله ، وناقة الله ، كما قال : { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] { وَرُوحٌ مِّنْهُ } [ النساء : 171 ] وقيل : أراد بالقدس الطهارة ، يعني الروح الطاهرة ، سمَّى روحه قدساً ، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث ، إنما كان أمراً من الله تعالى ، قال قتادة والسدي والضحاك : روح القدس جبريل عليه السلام قيل : وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنباً قال الحسن : القدس هو الله وروحه جبريل قال الله تعالى : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [ النحل : 102 ] وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام أنه أمر أن يسير معه حيث سار حتى صعد به الله إلى السماء وقيل : سمي جبريل عليه السلام روحاً لَلَطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : روح القدس هو اسم الله تعالى الأعظم به كان يحيي الموتى ويرُي الناس به العجائب ، وقيل : هو الانجيل جُعِل له روحاً كما جعل القرآن روحاً لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبب لحياة القلوب قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] فلما سمعت اليهود ذكر عيسى عليه السلام قالوا : يا محمد لا مثل عيسى - كما تزعم - عملت ، ولا كما تَقُصُّ علينا من الأنبياء فعلت ، فأْتِنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقاً . قال الله تعالى : { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ } يا معشر اليهود { رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ } تكبرتم وتعظمتم عن الإِيمان { فَفَرِيقًا } طائفة { كَذَّبْتُمْ } مثل عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم { وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } أي قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا وسائر من قتلوه من الأنبياء عليهم السلام { وَقَالُواْ } يعني اليهود { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع الأغلف وهو الذي عليه غشاءٌ ، معناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما يقوُل ، قاله مجاهد وقتادة ، نظيره قوله تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } [ فصلت : 5 ] وقرأ ابن عباس : غُلُف بضم اللام وهي قراءة الأعرج وهي جمع غلاف أي قلوبنا أوعية لكل علم فلا تحتاج إلى علمك قاله ابن عباس وعطاء وقال الكلبي : معناه أوعية لكل علم فلا تسمع حديثاً إلا تعيه إلا حديثك لا تعقله ولا تعيه ولو كان فيه خير لوعتْه وفهمتْه . قال الله عز وجل { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ } طردهم الله وأبعدهم عن كل خير { بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } قال قتادة : معناه لن يؤمن منهم إلا قليل لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود ، أي فقليلاً يؤمنون ، ونصب قليلاً على الحال وقال معمر : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، أي فقليل يؤمنون ونصب قليلاً بنزع الخافض ، و ( ما ) صلة على قولهما ، وقال الواقدي : معناه لا يؤمنون قليلاً ولا كثيراً كقول الرجل للآخر : ما أقل ما تفعل كذا أي لا تفعله أصلاً { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } يعني : القرآن { مُصَدِّقٌ } موافق { لِّمَا مَعَهُمْ } يعني التوراة { وَكَانُواْ } يعني اليهود { مِن قَبْلُ } من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، { يَسْتَفْتِحُونَ } يستنصرون { عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ } على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حَزَبَهم أمر ودهمهم عدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد صفته في التوراة ، فكانوا يُنْصَرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم { فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من غير بني اسرائيل وعرفوا نعته وصفته { كَفَرُواْ بِهِ } بغياً وحسداً . { فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَـافِرِينَ * بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } بئس ونعم : فعلان ماضيان وُضعا للمدح والذم ، لا يتصرفان تصرف الأفعال ، معناه : بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق . وقيل : الاشتراء هاهنا بمعنى البيع والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم أي حين اختاروا الكفر وبذلوا أنفسهم للنار { أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ } يعني القرآن { بَغْيًا } أي حسداً وأصل البغي : الفساد ويقال بغى الجرح إذا فسد والبغي : الظلم ، وأصله الطلب ، والباغي طالب الظلم ، والحاسد يظلم المحسود جهده ، طلباً لإِزالة نعمة الله تعالى عنه { أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي النبوة والكتاب { عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم ، قرأ أهل مكة والبصرة ينزل بالتخفيف إلا ( في سبحان الذي ) في موضعين { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } [ الإسراء : 82 ] و { حَتَّى تُنَزِّلَ } [ الإسراء : 93 ] فإن ابن كثير يشددهما ، وشدَّد البصريون في الأنعام { عَلَى أَن يُنَزِّلَ ءايَةً } [ الأنعام : 37 ] زاد يعقوب تشديد ( بما أنزل ) في النحل وافق حمزة والكسائي في تخفيف ( وينزل الغيث ) في سورة لقمان وحم عسق ، والآخرون يشدّدون الكل ، ولم يختلفوا في تشديد { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ } [ الحجر : 21 ] { فَبَآءُو بِغَضَبٍ } أي رجعوا بغضب { عَلَىٰ غَضَبٍ } قال ابن عباس ومجاهد : الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلهم ، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وقال قتادة : الأول بكفرهم بعيسى والإِنجيل ، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وقال السدي : الأول بعبادة العجل والثاني بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَلِلْكَـافِرِينَ } : الجاحدين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم { عَذَابٌ مُّهِينٌ } مخزٍ يهانون فيه .