Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 86-87)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَدْخَلْنَـٰهُمْ فِى رَحْمَتِنَا } ، يعني ما أنعم الله عليهم من النبوة وصيرهم إليه في الجنة من الثواب ، { إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } . قوله عز وجل : { وَذَا ٱلنُّونِ } ، أي : اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى ، { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } ، اختلفوا في معناه : فقال الضحاك : مغاضباً لقومه ، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس ، قال : كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطاً ونصف ، فأوحى الله إلى شعياء النبي أنْ سرْ إلى حزقيل الملك ، وقل له حتى يوجه نبياً قوياً فإني ألقي الرعب في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل ، فقال له الملك فمن ترى ، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء ، فقال يونس : إنه قوي أمين فدعا الملك يونس فأمره أن يخرج ، فقال له يونس : هل أمرك الله بإخراجي ؟ قال : لا ، قال : فهل سماني لك ؟ قال : لا ، قال : فهاهنا غيري أنبياء أقوياء ، فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضباً للنبي وللملك ، ولقومه فأتى بحر الروم فركبه . وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة : ذهب عن قومه مغاضباً لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم ، وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم ، واستحيا منهم ، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب ، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده ، وأنه يسمى كذاباً لا كراهية لحكم الله تعالى . وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد ، فغضب ، والمغاضبة هاهنا من كالمفاعلة التي تكون من واحد ، كالمسافرة والمعاقبة ، فمعنى قوله مغاضباً أي غضبان . وقال الحسن : إنما غضب ربَّه عزّ وجلّ من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه ، فسأل ربّه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم ، فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً يلبسها فلم ينظر ، وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضباً . وعن ابن عباس ، قال : أتى جبريل يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم ، قال : ألتمس دابة قال : الأمر أعجل من ذلك ، فغضب فانطلق إلى السفينة . وقال وهب بن منبه : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً وكان في خلقه ضيق ، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها من يديه ، وخرج هارباً منها ، فلذلك أخرجه الله من أُولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] ، وقال : { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } [ القلم : 48 ] . قوله عز وجل : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } ، أي لن نقضي عليه بالعقوبة ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال : قدَّر الله الشيءَ تقديراً وقَدَر يَقْدُر قدْراً بمعنى واحد ، ومنه قوله : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } [ الواقعة : 60 ] في قراءة من قرأها بالتخفيف ، دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري : { فظنّ أن لن نقدِّرعليه } ، بالتشديد ، وقال عطاء وكثير من العلماء : معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس ، من قوله تعالى : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر } [ الرعد : 26 ] ، أي يضيق . وقال ابن زيد : هو استفهام معناه : أفظن أنه يُعجزُ ربَّه ، فلا يقدر عليه . وقرأ يعقوب يُقدر بضم الياء على المجهول خفيف . وعن الحسن قال : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضباً لربه واستزله الشيطان حتى ظن لن نقدر عليه ، وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان ، فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة . وقال عطاء : سبعة أيام وقيل : ثلاثة أيام . وقيل : إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة . وقيل : بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت ، وراجع نفسه فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته ، والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضباً لقومه أو للملك ، { فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } ، أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ، { أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } . وروي عن أبي هريرة مرفوعاً : " أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً ، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه ما هذا ؟ فأوحى الله إليه : أن هذا تسبيح دواب البحر ، قال : فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه ، فقالوا : يا ربنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة ، وفي رواية : صوتاً معروفاً من مكان مجهول ، فقال : ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت ، فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال : نعم فشفعوا له " ، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل ، كما قال الله تعالى : { فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } [ الصافات : 145 ] .