Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 33-33)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } أي : ليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون مالاً ينكحون به للصداق والنفقة ، { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، أي يوسع عليهم من رزقه . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ } ، أي : يطلبون المكاتبة ، { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَكَـٰتِبُوهُمْ } ، سبب نزول هذه الآية ما رُوي أن غلاماً لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه ، فأنزل الله هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ، ووهب له منها عشرين ديناراً فأدّاها ، وقتل يوم حنين في الحرب . والكتابة أن يقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على كذا من المال ، ويسمي مالاً معلوماً ، يؤدي ذلك في نجمين أو نجوم معلومة في كل نجم كذا ، فإذا أديت فأنت حر ، يقبل العبد ذلك ، فإذا أدى المال عتق ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة ، وإذ أعتق بعد أداء المال فما فضل في يده من المال يكون له ، ويتبعه أولاده الذين حصلوا في حال الكتابة في العتق ، وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق ، وما في يده من المال يكون لمولاه ، لِما . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، أخبرنا عبد الله بن عمر كان يقول : " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء . ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً : " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم . وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى : { فَكَـٰتِبُوهُمْ } أمر إيجاب ، يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيراً إذا سأل العبد ذلك ، على قيمته أو أكثر ، وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب ، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار ، ولما رُوي أنّ سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه فشكاه إلى عمر ، فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه . وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب . ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي ؛ لأنه عقد جُوِّز إرْفاقاً بالعبد ، ومن تتمة الإِرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل ، فيحصل المقصود ، كالدية في قتل الخطأ وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة ، وجوّز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالّة . قوله تعالى : { إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } ، اختلفوا في معنى الخير ، فقال ابن عمر : قوة على الكسب . وهو قول مالك والثوري ، وقال الحسن ومجاهد والضحاك : مالاً ، كقوله تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْرًا } [ البقرة : 180 ] أي : مالاً ، ورُوي أنّ عبداً لسلمان الفارسي قال له كاتبني ، قال : ألك مال ؟ قال : لا . قال : تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ، ولم يكاتبه . قال الزجاج : لو أراد به المال لقال : إن علمتم لهم خيراً . وقال إبراهيم وابن زيد وعبيدة : صدقاً وأمانة . وقال طاووس وعمرو بن دينار : مالاً وأمانة . وقال الشافعي : وأظهر معاني الخير في العبد : الاكتساب مع الأمانة ، فأحب أن لا يمنع من كتابته إذا كان هكذا . أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو الحسن بن علي بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، أخبرنا أبو بكر الجوربذي ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني الليث عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح يريد العفاف ، والمجاهد في سبيل الله " . وحكى محمد بن سيرين عن عبيدة : " إن علمتم فيهم خيراً " أي : أقاموا الصلاة . وقيل : هو أن يكون العبد بالغاً عاقلاً ، أما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح . وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق . قوله سبحانه وتعالى : { وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِىۤ ءَاتَـٰكُمْ } ، اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هذا خطاب للموالي يجب على المولى أن يحط عن مكاتبه من مال كتابته شيئاً ، وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة ، وبه قال الشافعي . ثم اختلفوا في قدره , فقال قوم : يحط عنه ربع مال الكتابة ، وهو قول علي ، ورواه بعضهم عن علي مرفوعاً ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحط عنه الثلث . وقال الآخرون : ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء ، وهو قول الشافعي . قال نافع : كاتب عبد الله بن عمر غلاماً له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم . وقال سعيد بن جبير : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئاً من أول نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ، ووضع من آخر كتابته ما أحب . وقال بعضهم : هو أمر استحباب . والوجوب أظهر . وقال قوم : أراد بقوله : { وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ } أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات ، بقوله تعالى : { وَفِي ٱلرِّقَابِ } [ التوبة : 60 ] وهو قول الحسن وزيد بن أسلم . وقال إبراهيم : هو حث لجميع الناس على معونتهم . ولو مات المكاتب قبل أداء النجوم ، اختلف أهل العلم فيه : فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقاً ، وترتفع الكتابة ، سواء ترك مالاً أو لم يترك ، كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع ، وهو قول عمر ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والزهري ، وقتادة ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد . وقال قوم : إن ترك وفاءً بما بقي عليه من الكتابة كان حراً ، وإن كان فيه فضل ، فالزيادة لأولاده الأحرار ، وهو قول عطاء , وطاووس ، والنخعي ، والحسن ، وبه قال مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي . ولو كاتب عبده كتابة فاسدة يعتق بأداء المال لأن عتقه معلق بالأداء ، وقد وجد وتبعه الأولاد والاكتساب كما في الكتابة الصحيحة ، ويفترقان في بعض الأحكام : وهي أن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم ، ولا تبطل بموت المولى ، ويعتق بالإِبراء عن النجوم ، والكتابة الفاسدة يملك المولى فسخها قبل أداء المال ، حتى لو أدى المال بعد الفسخ لا يعتق ويبطل بموت المولى ، ولا يعتق بالإِبراء عن النجوم ، وإذا عتق المكاتب بأداء المال لا يثبت التراجع في الكتابة الصحيحة ، ويثبت في الكتابة الفاسدة ، فيرجع المولى عليه بقيمة رقبته ، وهو يرجع على المولى بما دفع إليه إن كان مالاً . قوله عزّ وجلّ : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } الآية ، نزلت في عبد الله بن أُبيّ بن سلول المنافق ، كانت له جاريتان : معاذة ومسيكة ، وكان يكرههما على الزنا بالضريبة يأخذها منهما ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية ، يؤجرون إماءهم ، فلما جاء الإِسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين ، فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه ، وإن يك شراً فقد آن لنا أن نَدَعَه ، فأنزل الله هذه الآية . وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوماً ببُرْدٍ وجاءت الأخرى بدينار ، فقال لهما : ارجعا فازنيا ، قالتا والله لا نفعل ، قد جاء الإِسلام وحرّم الزنا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا إليه ، فأنزل هذه الآية . { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ } إماءكم { عَلَى ٱلْبِغَآءِ } أي : الزنا { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } أي إذا أردن ، وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصناً ، كقوله تعالى : { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] ، أي : إذا كنتم مؤمنين وقيل : شرط إرادة التحصن لأن الإِكراه إنما يكون عند إرادة التحصن ، فإذا لم ترد التحصن بَغَتْ طوعاً ، والتحصن : التعفف . وقال الحسن بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها : وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصناً ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء . { لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي : لتطلبوا من أموال الدنيا ، يريد من كسبهن وبيع أولادهن ، { وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، يعني للمكرهات ، والوزر على المُكرِه . وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : لهن والله لهن والله .