Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 34-35)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَـٰتٍ مُّبَيِّنَـٰتٍ } من الحلال والحرام ، { وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ } ، أي شبهاً من حالكم بحالهم أيها المكذبون ، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من المكذبين ، { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } ، للمؤمنين الذين يتقون الشرك والكبائر . قوله عزّ وجلّ : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس : هادي أهل السموات والأرض ، فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلالة ينجون . وقال الضحاك : منوّر السموات والأرض ، يقال : نوّر السماء بالملائكة ونوّر الأرض بالأنبياء . وقال مجاهد : مدبر الأمور في السموات والأرض . وقال أُبيّ بن كعب والحسن وأبو العالية : مزِّين السموات والأرض ، زيّن السماء بالشمس والقمر والنجوم ، وزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين . ويقال : بالنبات والأشجار . وقيل : معناه الأنوار كلها منه ، كما يقال : فلان رحمة أي منه الرحمة . وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح كما قال القائل : @ إذا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ ليلةً فقد سَارَ منها نورُها وجمالُها @@ قوله تعالى : { مَثَلُ نُورِهِ } أي مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن ، وهو النور الذي يهتدي به ، كما قال { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] ، وكان ابن مسعود يقرأ " مثل نوره في قلب المؤمن " . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : مثل نوره الذي أعطى المؤمن . وقال بعضهم : الكناية عائدة إلى المؤمن ، أي : مثل نور قلب المؤمن ، وكان أُبيّ يقرأ : " مثل نور من آمن به " وهو عبد جُعل الإِيمانُ والقرآنُ في صدره . وقال الحسن وزيد بن أسلم : أراد بالنور القرآن . وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : أراد بالنور الطاعة ، سمّى طاعةَ الله نوراً وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلاً ، { كَمِشْكَاةٍ } ، وهي الكوة التي لا منفذ لها فإن كان لها منفذ فهي كوة . وقيل : المشكاة حبشية . قال مجاهد : هي القنديل { فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي : سراج ، وأصله من الضوء ، ومنه الصبح ، ومعناه : كمصباح في مشكاة ، { ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ } ، يعني القنديل ، قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء ، وضوؤه يزيد في الزجاج ، ثم وصف الزجاجة ، فقال : { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } . قرأ أبو عمر والكسائي « درىء » بكسر الدال والهمزة ، وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمزة ، فمن كسر الدال فهو فعيل من الدرء ، وهو الدفع , لأن الكوكب يدفع الشيطاطين من السماء ، وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة أضْوَأَ وأنورَ ، ويُقال : هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقبضاً فيتضاعف ضوءه في ذلك الوقت . وقيل : " دُري " أي : طالع ، يقال : درأ النجم إذا طلع وارتفع . ويقال : درأ علينا فلان أي طلع وظهر ، فأما رفع الدال مع الهمزة كما قرأ حمزة ، قال أكثر النحاة : هو لحن ، لأنه ليس في كلام العرب فعيل بضم الفاء وكسر العين . قال أبو عبيدة : وأنا أرى لها وجهاً وذلك أنها دروء على وزن فعول من دراتُ ، مثل سبوح وقدوس ، وقد استثقلوا كثرة الضمات فردوا بعضها إلى الكسر ، كما قالوا : عتياً وهو فعول من عتوت ، وقرأ الآخرون { دُرِّيٌّ } بضم الدال وتشديد الياء بلا همز ، أي : شديد الإِنارة ، نُسِبَ إلى الدُّرِّ في صفائه وحسنه ، وإن كان الكوكب أكثر ضوءاً من الدر لكنه يَفْضُل الكواكبَ بضيائه ، كما يفضل الدر سائر الحب . وقيل : الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام ، وهي زُحَلٌ ، والمريخ ، والمشتري ، والزهرة ، وعطارد . وقيل : شُبهه بالكوكب ، ولم يشبهه بالشمس والقمر , لأن الشمس والقمر يلحقهما الخسوف والكواكب لا يلحقها الخسوف . { يُوقَدُ } قرأ أبو جعفر ، وابن كثير وأبو عمرو ، ويعقوب : « تَوَقَّدَ » بالتاء وفتحها وفتح الواو والدال وتشديد القاف على الماضي ، يعني المصباح ، أي : اتقد ، يقال توقدت النار إي : اتقدت . وقرأ أهل الكوفة غير حفص " تُوْقَد " بالتاء وضمها وفتح القاف خفيفاً ، يعني الزجاجة أي : نار الزجاجة لأن الزجاجة لا توقد ، وقرأ الآخرون بالياء وضمها خفيفاً يعني المصباح ، { مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } ، أي : من زيت شجرة مباركة ، فحذف المضاف بدليل قوله تعالى : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىۤءُ } ، وأراد بالشجرة المباركة الزيتونة وهي كثيرة البركة ، وفيها منافع كثيرة ، لأن الزيت يسرج به ، وهو أضوأ وأصفى الأدهان ، وهو إدام وفاكهة ، ولا يحتاج في استخراجه إلى إعصار بل كل أحد يستخرجه . وجاء في الحديث : " أنه مصحة من الباسور " وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي ، أخبرنا أبو أمية الطرسوسي ، أخبرنا قبيصة بن عقبة ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عطاء الذي كان بالشام ، وليس بابن أبي رباح ، عن أسد بن ثابت وأبي أسلم الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُوا الزيتَ وادّهِنوا به فإنه من شجرةٍ مباركة " . قوله تعالى : { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } ، أي : ليست شرقية وحدها حتى لا تصيبها الشمس إذا غربت , ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت ، بل هي ضاحية الشمس طول النهار ، تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها ، فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين ، فيكون زيتها أضوأ ، وهذا كما يقال : فلان ليس بأسود ولا بأبيض ، يريد ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص ، بل اجتمع فيه كل واحد منهما ، وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض ، أي اجتمعت فيه الحلاوة والحموضة ، هذا قول ابن عباس في رواية عكرمة والكلبي ، والأكثرين . وقال السديّ وجماعة : معناه أنها ليست في مقناة لا تصيبها الشمس ولا في مضحاة لا يصيبها الظل ، فهي لا تضرها شمس ولا ظل . وقيل : معناه أنها معتدلة ليست في شرق يضرها الحر ، ولا في غرب يضرها البرد . وقيل : معناه هي شامية لأن الشام لا شرقي ولا غربي . وقال الحسن : ليست هذه من أشجار الدنيا ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية وإنما هو مثل ضربه الله لنوره . { يَكَادُ زَيْتُهَا } ، دهنها ، { يُضِىۤءُ } ، من صفائه ، { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } ، أي : قبل أن تصيبه النار ، { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } ، يعني نور المصباح على نور الزجاجة . واختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل ، فقال بعضهم : وقع هذا التمثل لنور محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس لكعب الأحبار : أخبرني عن قوله تعالى : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ } فقال كعب : هذا مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه النبوة ، توقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة ، يكاد نور محمد وأمره يتبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء ولو لم تمسسه نار . وروى سالم عن ابن عمر في هذه الآية قال : المشكاة : جوف محمد والزجاجة : قلبه ، والمصباح : النور الذي جعله الله فيه ، لا شرقية ولا غربية ، لا يهودي ولا نصراني ، توقد من شجرة مباركة : إبراهيم ، نور على نور ، قلب إبراهيم ، ونور : قلب محمد صلى الله عليه وسلم . وقال محمد بن كعب القرظي : " المشكاة " إبراهيم ، " والزجاجة " : إسماعيل و " المصباح " : محمد صلوات الله عليهم أجمعين سماه الله مصباحاً كما سماه سراجاً ، فقال تعالى : { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [ الأحزاب : 46 ] ، " توقد من شجرة مباركة " وهي إبراهيم ، وسماه مباركه لأن أكثر الأنبياء من صلبه ، " لا شرقية ولا غربية " يعني : إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ، لأن اليهود تصلي قِبَلَ المغرب والنصارى تصلي قِبَلَ المشرق يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه " نور على نور " : نبي من نسل نبي ، نور محمد على نور إبراهيم . وقال بعضهم : وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن . روى أبو العالية عن أُبيّ بن كعب قال : هذا مثل المؤمن ، فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره ، والمصباح ما جعل الله فيه من الإِيمان ، والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة وهي الإِخلاص لله وحده ، فمثله كمثل الشجرة التي التف بها الشجر خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس لا إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك المؤمن ، قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال إن أُعطيَ شكر وإن ابْتلي صَبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، يكاد زيتها يضيء أي : يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه نور على نور . قال أُبيّ فهو يتقلب في خمسة أنوار . قوله : نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة . قال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءاً على ضوئه ، كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدىً على هدى ونوراً على نور . قال الكلبي : قوله : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } ، يعني : إيمان المؤمن وعمله . وقال السدي : نور الإِيمان ونور القرآن . وقال الحسن وابن زيد : هذا مثل للقرآن ، فالمصباح هو القرآن فكما يُستضاء بالمصباح يُهتدى بالقرآن ، والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي ، { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىۤءُ } تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ ، نور على نور يعني القرآن نور من الله عزّ وجلّ لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والإِعلام قبل نزول القرآن ، فازداد بذلك نوراً على نور . قوله عزّ وجلّ : { يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لدينِ الإِسلام , وهو نور البصيرة , وقيل : القرآن { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } ، يبين الله الأشياء للناس تقريباً للأفهام وتسهيلاً لسبل الإِدراك ، { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلَيِمٌ } .