Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 63-67)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } ، يعني : أفاضل العباد . وقيل : هذه الإِضافة للتخصيص والتفضيل ، وإلا فالخلق كلهم عباد الله . { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } ، أي : بالسكينة والوقار متواضعين غير أشِرين ولا مرحين ، ولا متكبرين . وقال الحسن : علماء وحكماء . وقال محمد بن الحنفية : أصحاب وقار وعفة لا يسفهون ، وإن سُفه عليهم حلموا ، و " الهَوْن " في اللغة : الرفق واللين . { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ } ، يعني السفهاء بما يكرهون ، { قَالُواْ سَلاَماً } ، قال مجاهد : سداداً من القول . وقال مقاتل بن حيان : قولاً يسلمون فيه من الإِثم . وقال الحسن : إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا ، وليس المراد منه السلام المعروف . وروي عن الحسن : معناه سلموا عليهم ، دليله قوله عزّ وجلّ : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } [ القصص : 55 ] . قال الكلبي وأبو العالية : هذا قبل أن يؤمر بالقتال ، ثم نسختها آية القتال . وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال : هذا وصف نهارهم ، ثم قرأ { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً } قال : هذا وصف ليلهم . قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ } ، يقال لمن أدرك الليل : بات نام أو لم ينم ، يقال : بات فلان قَلِقَاً ، والمعنى : يبيتون لربهم بالليل في الصلاة ، { سُجَّداً } ، على وجوههم ، { وَقِيَـٰماً } على أقدامهم . قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجداً وقائماً . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد ابن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو نعيم عن سفيان ، عن عثمان بن حكيم ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله " . قوله عزّ وجلّ : { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي : مُلِحِّاً دائماً ، لازماً غير مفارقٍ من عذب به من الكفار ، ومنه سمي الغريم لطلبه حقه وإلحاحة على صاحبه وملازمته إياه . قال محمد بن كعب القرظي : سأل الله الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوا فأغرمهم فيه ، فبقوا في النار ، وقال الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلا جهنّم . و " الغَرَام " الشر اللازم ، وقيل : " غراماً " هلاكاً . { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } ، أي : بئس موضع قرار وإقامه . { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة « يقتروا » بفتح الياء وكسر التاء ، وقرأ أهل المدينة وابن عامر بضم الياء وكسر التاء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم التاء ، وكلها لغات صحيحة . يقال : أقتر وقتَّر بالتشديد ، وقتّر يُقَتِّر . واختلفوا في معنى الإِسراف والإِقتار ، فقال بعضهم : " الإِسراف " النفقة في معصية الله وإن قلَّتْ ، و " الإِقتار " : منع حق الله تعالى . وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج . وقال الحسن في هذه الآية لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله . وقال قوم : " الإِسراف " : مجاوزة الحد في الإِنفاق ، حتى يدخل في حد التبذير ، و " الإِقتار " : التقصير عمّا لا بدّ منه ، وهذا معنى قول إبراهيم : لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقة يقول الناس قد أسرف . { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } ، قصداً وسطاً بين الإِسراف والإِقتار ، حسنةٌ بين السيئتين . وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية : أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثوباً للجمال ، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدُّ عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم ، ومن الثياب ما يستر عوراتهم ويُكِنُّهم من الحر والقر . قال عمر بن الخطاب : كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا اشتراه فأكله .