Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 44-44)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ } الآية ، وذلك أن سليمان أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها ، لمّا قالت الشياطين : إن رجليها كحافر الحمار ، وهي شَعْراء الساقين ، أمر الشياطين فبنوا له صرحاً أي : قصراً من زجاج ، وقيل بيتاً من زجاج كأنه الماء بياضاً ، وقيل : الصرح صحن الدار ، وأجرى تحته الماء ، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإِنس . وقيل : اتخذ صحناً من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع ، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء . وقيل : إنما بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها كما فعلت هي بالوصفاء والوصائف فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح . { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } ، وهي معظم الماء ، { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } ، لتخوضه إلى سليمان ، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدماً وساقاً إلاّ أنها كانت شعراء الساقين ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها ، { قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } ، مملس مستو ، { مِّن قَوارِيرَ } ، وليس بماء ، ثم إن سليمان دعاها إلى الإِسلام ، وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت ، { قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى } ، بالكفر ، وقال مقاتل : لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله فقالت : ربِّ إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك ، { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، أي أخلصت له التوحيد . وقيل : إنها لما بلغت الصرح فظنته لجة ، قالت في نفسها : إن سليمان يريد أن يغرقني ، وكان القتل على أهون من هذا ، فقولها : " ظلمت نفسي " تعني بذلك الظن . واختلفوا في أمرها بعد إسلامها ، فقال عون بن عبد الله : سأل رجل عبد الله بن عتبة : هل تزوجها سليمان ؟ فقال : انتهى أمرها إلى قولها : أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، يعني : لا علم لنا وراء ذلك . وقال بعضهم : تزوجها ، ولما أراد أن يتزوجها كره لما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الإِنس : ما يذهب هذا ؟ قالوا الموسى ، فقالت المرأة : لم تمسني حديدة قط ، فكره سليمان الموسى ، وقال : إنها تقطع ساقيها ، فسأل الجن فقالوا : لا ندري ، ثم سأل الشياطين فقالوا : إنا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء ، فاتخذوا النورة والحمام ، فكانت النورة والحمامات من يومئذٍ ، فلما تزوجها سليمان أحبها حباً شديداً ، وأقرّها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم يرَ الناسُ مثلها ارتفاعاً وحسناً ، وهي سلحين ، وبينون ، وعمدان . ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام يبتكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام ، وولدت له فيما ذكر . وروي عن وهب قال : زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان : اختاري رجلاً من قومك أزوجكه ، قالت : ومثلي يا نبي الله تنكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان ؟ قال : نعم ، إنه لا يكون في الإِسلام إلا ذلك ، ولا ينبغي لك أن تحرّمي ما أحل الله لك ، فقالت : زوجني إن كان لا بدّ من ذلك ذا تُبَّع ملك همدان فزوجها إياه ، ثم ردها إلى اليمن ، وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ودعا زوبعة أمير الجن باليمن ، فقال : اعمل لذي تبع ما استعملك فيه ، فلم يزل بها ملكاً يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان ، فلما أن حال الحول ، وتبينت الجن موتَ سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته : يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات ، فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا ، وانقضى ملك ذي تبع ، وملك بلقيس مع ملك سليمان . وقيل : إن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة .