Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 5-9)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ، يعني : بني إسرائيل ، { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } ، قادة في الخير يقتدى بهم . وقال قتادة : ولاة وملوكاً دليله ، قوله عزّ وجلّ : { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [ المائدة : 20 ] ، وقال مجاهد : دعاة إلى الخير . { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } ، يعني : أملاك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم . { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } ، نوطّن لهم في أرض مصر والشام ، ونجعلها لهم مكاناً يستقرون فيه ، { وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا } ، قرأ الأعمش ، وحمزة ، والكسائي : « ويرى » بالياء وفتحها ، { فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا } ، مرفوعات على أن الفعل لهم ، وقرأ الآخرون بالنون وضمها ، وكسر الراء ، ونصب الياء ونصب ما بعده ، بوقوع الفعل عليه ، { مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } ، والحذر هو التوقي من الضرر ، وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل فكانوا على وَجَلٍ منه ، فأراهم الله ما كانوا يحذرون . { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } ، وهو وحي إلهام لا وحي نبوة ، قال قتادة : قذفنا في قلبها ، وأم موسى يوخانذ بنت لاوى بن يعقوب ، { أَنْ أَرْضِعِيهِ } ، واختلفوا في مدة الرضاعّ ، قيل : ثمانية أشهر . وقيل : أربعة أشهر . وقيل : ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها ، وهو لا يبكي ولا يتحرك ، { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } ، يعني : من الذبح ، { فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمِّ } ، واليم : البحر ، وأراد هاهنا النيل ، { وَلاَ تَخَافِى } ، قيل : لا تخافي عليه من الغرق ، وقيل : من الضيعة ، { وَلاَ تَحْزَنِىۤ } ، على فراقه ، { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . روى عطاء عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر ، استطالوا على الناس ، وعملوا بالمعاصي ، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، فسلَّط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يدي نبيه . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن أم موسى لما تقاربت ولادتها وكانت قابلةٌ من القوابل التي وكَّلهن فرعون بحُبَالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى ، فلما ضرب بها الطلق أرسلت إليها فقالت : قد نزل بي ما نزل ، فلينفعني حبك إيّاي اليوم ، قالت : فعالجت قبالتها ، فلما أن وقع موسى بالأرض هَالَها نورٌ بين عيني موسى ، فارتعش كل مفصل منها ، ودخل حب موسى قلبها . ثم قالت لها : يا هذا ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن رأيي قتل مولودك ، ولكن وجدت لابنك هذا حباً ما وجدت حب شيء مثل حبه ، فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا ، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون ، فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى ، فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفَّتْ موسى في خرقة ، فوضعته في التنور وهو مسجور ، وطاش عقلها ، فلم تعقل ما تصنع . قال : فدخلوا فإذا التنور مسجور ، ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن ، فقالوا لها : ما أدخل عليك القابلة ؟ قالت : هي مصافية لي فدخلت عليّ زائرة فخرجوا من عندها ، فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى : فأين الصبي ؟ قالت : لا أدري ، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه برداً وسلاماً ، فاحتملته . قال : ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها ، فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتاً ثم تقذف التابوت في اليمِّ وهو النيل ، فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتاً صغيراً ، فقال لها النجار : ما تصنعين بهذا التابوت ؟ قالت : ابن لي أخبئه في التابوت ، وكرهت الكذب ، قال ولم تقل : أخشى عليه كيد فرعون ، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى ، فلما همَّ بالكلام أمسك الله لسانه فلم يطق الكلام ، وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول ، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم : اضربوه فضربوه وأخرجوه ، فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم ، فانطلق أيضاً يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئاً ، فضربوه وأخرجوه ، فوقع في واد يهوي فيه حيران ، فجعل لله عليه إن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيث ما كان ، فعرف الله منه الصدق فردّ عليه لسانه وبصره فخر لله ساجداً ، فقال : يا رب دلَّني على هذا العبد الصالح ، فدلَّه الله عليه ، فخرج من الوادي فآمن به وصدقه ، وعلم أن ذلك من الله عزّ وجلّ . وقال وهب بن منبه : لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميعَ الناس ، فلم يطَّلع على حَبَلها أحد من خلق الله ، وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمنَّ به على بني إسرائيل ، فلما كانت السنة التي ولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتشن النساء تفتيشاً لم يفتشن قبل ذلك مثله ، وحملت أم موسى فلم ينتأ بطنها ، ولم يتغير لونها ، ولم يظهر لبنها ، فكانت القوابل لا تتعرض لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم ، فأوحى الله إليها " أن أرضعيه فإذا خفت عليه " الآية ، فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها ، لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه عملت تابوتاً له مطبقاً ثم ألقته في البحر ليلاً . قال ابن عباس وغيره : وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها ، وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون ، وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها ، فقالوا له : أيها الملك لا تبرأ إلا من قِبَل البحر ، يوجد فيه شبه الإِنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس ، فلما كان يوم الإثنين غدا فرعون إلى مجلس كان على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم ، وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن ، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج ، فقال فرعون : إن هذا لشيءٌ في البحر قد تعلق بالشجرة ايتوني به ، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، فدنت منه آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده ، وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمصه لبناً ، فألقى الله لموسى المحبة في قلب آسية ، وأحبه فرعون وعطف عليه ، وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى مكان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت ، فقبَّلته وضمته إلى صدرها ، فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا ، رمي به في البحر خوفاً منك فاقتله ، فهمّ فرعون بقتله ، فقالت آسية : قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ، وكانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها ، وقال فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو قال فرعون يومئذٍ هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها " فقيل لآسية سميه فقالت : سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء وسى هو الشجر ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { فَٱلْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ } ، والالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب ، { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة ، لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك ، قرأ حمزة والكسائي : « حُزْناً » بضم الحاء وسكون الزاي ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي ، وهما لغتان ، { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ } ، عاصين آثمين . قوله تعالى : { وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ } ، قال وهب : لما وضع التابوت بين يدي فرعون فتحوه فوجدوا فيه موسى فلما نظر إليه قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك ، وقال : كيف أخطأ هذا الغلامَ الذبحُ ؟ وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أماً للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم ، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه : هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكون قرة عين لي وذلك ، { لاَ تَقْتُلُوهُ } ، وروي أنها قالت له : إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل ، { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أن هلاكهم على يديه ، فاستحياه فرعون ، وألقى الله عليه محبته وقال لامرأته : عسى أن ينعفك فأما أنا فلا أريد نفعه ، قال وهب قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية : عسى أن ينفعنا ، لنفعه الله ، ولكنه أبى ، للشقاء الذي كتبه الله عليه .