Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 10-14)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } ، أي : خالياً من كل شيء إلاّ من ذكر موسى وهمه ، وهذا قول أكثر المفسرين . وقال الحسن : " فارغاً " أي : ناسياً للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن ، والعهد الذي عهد أن يرده إليها ويجعله من المرسلين ، فجاءها الشيطان فقال : كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنتِ قتله فألقيته في البحر ، ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت : إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه ، فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها . وقال أبو عبيدة : " فارغاً " أي : فارغاً من الحزن لعلمها بصدق وعد الله تعالى ، وأنكر القتيبي هذا ، وقال : كيف يكون هذا والله تعالى يقول : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلى قَلْبِها } ؟ والأول أصح . قوله عزّ وجلّ : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } ، قيل الهاء في " به " راجعة إلى موسى ، أي : كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها . وقال عكرمة عن ابن عباس : كادت تقول : وابناه . وقال مقاتل : لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها . وقال الكلبي : كادت تظهر أنه ابنها ، وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شبَّ : موسى ابن فرعون ، فشق عليها وكادت تقول : بلى هو ابني . وقال بعضهم : الهاء عائدة إلى الوحي أي : كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أن يردّه إليها . { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } ، بالعصمة والصبر والتثبيت ، { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، المصدقين لوعد الله حين قال لها : { إِنَّا رادوهُ إِلَيْكِ } . { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ } ، أي : لمريم أخت موسى . { قُصِّيهِ } , اتبعي أثره حتى تعلمي خبره ، { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } , أي : عن بعد ، وفي القصة أنها كانت تمشي جانباً وتنظر اختلاساً تُري أنها لا تنظره ، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أنها أخته وأنها ترقبه . قال ابن عباس : إن امرأة فرعون كان همها في الدنيا أن تجد له مرضعة ، وكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } ، والمراد من التحريم المنع ، والمراضع : جمع المرضع ، { مِن قَبْلُ } ، أي : من قبل مجيء أم موسى ، فلما رأت أختُ موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت لهم : هل أدلكم ؟ وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثدياً ويصيح وهم في طلب مرضعة له . { فَقَالَتْ } ، يعني أخت موسى ، { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ } ، أي يضمونه { لَكُمْ } ، ويرضعونه ، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحبُّ شيء إليها أن تجد صغيراً ترضعه ، { وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ } ، والنصح ضد الغش ، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد ، قالوا : نعم فَأتِينا بها . قال ابن جريج والسدي : لما قالت أخت موسى : " وهم له ناصحون " أخذوها وقالوا : إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت : ما أعرفه ، وقلت هم للملك ناصحون . وقيل : إنها قالت : إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك واتصالنا به . وقيل إنها لما قالت : " هل أدلكم على أهل بيت " قالوا لها : من ؟ قالت : أمي ، قالوا : أو لأمك ابن ؟ قالت : نعم هارون ، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها ، قالوا : صدقت ، فأتينا بها ، فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها ، وجاءت بها إليهم ، فلما وجد الصبي ريح أمه قَبِل ثديها ، وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه رياً . قال السدي : كانوا يعطونها كل يوم ديناراً فذلك قوله تعالى : { فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } ، بردِّ موسى إليها ، { وَلاَ تَحْزَنَ } ، أي لئلا تحزن ، { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، برده إليها ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أن الله وعدها ردَّه إليها . { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } ، قال الكلبي : الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة . قال مجاهد وغيره : ثلاث وثلاثون سنة ، { وَٱسْتَوَىٰ } ، أي : بلغ أربعين سنة ، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقيل : استوى انتهى شبابه { ءَاتَيْنَـٰهُ حُكْماً وَعِلْماً } ، أي : الفقه والعقل والعلم في الدين ، فعلم موسى وحكم قبل أن يُبعث نبياً ، { وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } .