Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 37-37)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } أي تقبل الله مريم من حنة مكان المحرر ، وتقبل بمعنى قَبِل ورضي ، والقبول مصدر قَبِل يقبل قبولاً مثل الولوع والوزوع ، ولم يأت غير هذه الثلاثة . وقيل : معنى التقبل التكفل في التربية والقيام بشأنها { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } معناه : وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً ، وقيل هذا مصدر على غير [ اللفظ ] وكذلك قوله { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } [ ومثله شائع كقولك تكلمت كلاماً ، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } ] أي سلك بها طريق السعداء { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } يعني سوَّى خلقها من غير زيادة ولا نقصان فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في العام { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قال أهل الأخبار : أخذت حنة مريم حين ولدتها فلفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار ، أبناء هارون ، وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة ، فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة ، فتنافس فيها الأَحبار لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم ، فقال لهم زكريا : أنا أحقكم بها ، عندي خالتها ، فقالت له الأحبار : لا نفعل ذلك ، فإنها لو تركت لأحق الناس بها لتركت لأمها التي ولدتها ، لكنَّا نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه ، فانطلقوا وكانوا [ تسعة وعشرين ] رجلاً إلى نهر جار ، قال السدي : هو نهر الأردن فألقوا أقلامهم في الماء على أن من ثبت قلمه في الماء فصعد فهو أولى بها . وقيل : كان على كل قلم اسم واحد منهم . وقيل : كانوا يكتبون التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء [ فارتز ] قلم زكريا فارتفع فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت في النهر ، قاله محمد بن إسحاق وجماعة . وقيل : جرى قلم زكريا مصعداً إلى أعلى الماء وجرت أقلامهم بجري الماء . وقال السدي وجماعة : بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين ، وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء ، فسهمهم وقرعهم زكريا ، وكان زكريا رأس الأحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قرأ حمزة والكسائي وعاصم بتشديد الفاء فيكون زكريا في محل النصب أي ضمنها الله زكريا وضمها إليه بالقرعة ، وقرأ الآخرون بالتخفيف فيكون زكريا في محل الرفع أي ضمها زكريا إلى نفسه وقام بأمرها ، وهو زكريا بن آذن بن مسلم بن صدوق ، من أولاد سليمان بن داود عليهما السلام . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم : زكريا مقصوراً ، والآخرون يمدونه . فلما ضم زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتاً واسترضع لها ، وقال محمد بن إسحاق ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً في المسجد ، وجعل بابه في وسطها لا يرقى إليها إلا بالسلم مثل باب الكعبة لا يصعد إليها غيره ، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ } وأراد بالمحراب الغرفة ، والمحراب أشرف المجالس ومقدمها ، وكذلك هو من المسجد ، ويقال للمسجد أيضاً محراب ، قال المبرد : لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرجة ، وقال الربيع ابن أنس : كان زكريا إذا خرج يغلق عليها سبعة أبواب فإذا دخل عليها غرفتها { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا } أي فاكهة في غير حينها ، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف { قَالَ يَٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } قال أبو عبيدة معناه : من أين لك هذا ؟ وأنكر بعضهم عليه ، وقال : معناه من أي جهة لك هذا ؟ لأن « أنّى » للسؤال عن الجهة وأين للسؤال عن المكان { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي من قطف الجنة ، قال الحسن : حين ولدت مريم لم تلقم ثدياً قط ، كان يأتيها رزقها من الجنة ، فيقول لها زكريا : أنى لك هذا ؟ قالت : هو من عند الله تكلمت وهي صغيرة { إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . وقال محمد بن إسحاق : ثم أصابت بني إسرائيل أزمة وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها فخرج على بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل : تعلمون والله لقد كبرت سني وضعفت عن حمل مريم بنت عمران فأيكم يكفلها بعدي ؟ فقالوا : والله لقد جهدنا وأصابنا من السنة ما ترى ، فتدافعوها بينهم ثم لم يجدوا من حملها بداً ، فتقارعوا عليها بالأقلام فخرج السهم على رجل نجار من بني إسرائيل يقال له : يوسف بن يعقوب ، وكان ابن عم مريم فحملها ، فعرفت مريم في وجهه شدة مؤنة ذلك عليه ، فقالت له : يا يوسف أحسن بالله الظن فإن الله سيرزقنا ، فجعل يوسف يرزق بمكانها منه ، فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها فإذا أدخله عليها في الكنيسة أنماه الله ، فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلاً من الرزق ، ليس بقدر ما يأتيها به يوسف ، فيقول : يا مريم أنى لك هذا قالت : هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب . قال أهل الأخبار فلما رأى ذلك زكريا قال : إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي ولداً في غير حينه على الكبر فطمع في الولد ، وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا وكان زكريا قد شاخ وآيس من الولد .