Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-39)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الله تعالى : { هُنَالِكَ } أي عند ذلك { دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } فدخل المحراب [ وأغلق الباب ] وناجى ربه { قَالَ رَبِّ } أي يا رب { هَبْ لِى } أعطني { مِن لَّدُنْكَ } أي من عندك { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } أي ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً ، والذرية تكون واحداً وجمعاً ، ذكراً وأنثى ، وهو هاهنا واحد ، بدليل قوله عز وجل : { فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [ مريم : 5 ] وإنما قال : طيبة لتأنيث لفظ الذرية { إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } أي سامعه ، وقيل مجيبه ، كقوله تعالى : { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } [ يس : 25 ] أي فأجيبوني . { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء ، والآخرون بالتاء ، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيهم أحسن كقوله تعالى : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ } [ الحجرات : 14 ] وعن إبراهيم قال : كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يذكر الملائكة في القرآن . قال أبو عبيدة : إنما نرى عبد الله اختار ذلك خلافاً للمشركين في قولهم الملائكة بنات الله تعالى ، وروى الشعبي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياءً وذكِّروا القرآن . وأراد بالملائكة هاهنا : جبريل عليه السلام وحده ، كقوله تعالى في سورة النحل « ينزل الملائكة » يعني جبريل ( بالروح ) بالوحي ، ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم : سمعت هذا الخبر من الناس ، وإنما سمع من واحد ، نظيره قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } [ آل عمران : 173 ] يعني نعيم بن مسعود « إن الناس » يعني أبا سفيان بن حرب ، وقال المفضل بن سلمة : إذا كان القائل رئيساً يجوز الإِخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه ، وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقلَّ ما يبعث إلا ومعه جمع ، فجرى على ذلك . قوله تعالى : { وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ } أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان ، فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول ، فبينما هو قائم يصلي في المحراب ، يعني في المسجد عند المذبح يصلي ، والناس ينتظرون أن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه ، وهو جبريل عليه السلام ، يا زكريا { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ } قرأ ابن عامر وحمزة ( إن الله ) بكسر الألف على إضمار القول تقديره : فنادته الملائكة فقالت { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ } وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه ، كأنه قال : فنادته الملائكة بأن الله يبشرك ، قرأ حمزة يبشرك وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا قوله : { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقه الكسائي هاهنا في الموضعين وفي سبحان والكهف وعسق ووافق ابن كثير وأبو عمرو في « عسق » والباقون بالتشديد ، فمن قرأ بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيراً ، وهو أعرب اللغات وأفصحها . دليل التشديد قوله تعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ } [ الزمر : 17 ] و { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } [ الصافات : 112 ] { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } [ الحجر : 55 ] وغيرها من الآيات ، ومن خفف فهو من بشر يبشر وهي لغة تهامة ، وقرأه ابن مسعود رضي الله عنه { بِيَحْيَـىٰ } هو اسم لا يُجر لمعرفته وللزائد في أوله مثل يزيد ويعمر ، وجمعه يحيون ، مثل موسون وعيسون ، واختلفوا في أنه لم سُمي يحيى ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن الله أحيا به عقر أمه ، قال قتادة : لأن الله تعالى أحيا به قلبه بالإِيمان وقيل : لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية { مُصَدِّقاً } نصب على الحال { بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني عيسى عليه السلام ، سمي عيسى كلمة الله لأن الله تعالى قال له : كن من غير أب فكان ، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه بها كان ، وقيل : سمي كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله تعالى ، وقيل : هي بشارة الله تعالى مريم بعيسى عليه السلام بكلامه على لسان جبريل عليه السلام . وقيل : لأن الله تعالى أخبر الأنبياء بكلامه في كتبه أنه يخلق نبياً بلا أب ، فسماه كلمة لحصوله بذلك الوعد . وكان يحيى عليه السلام أول من آمن بعيسى عليه السلام وصدقه ، وكان يحيى عليه السلام أكبر من عيسى بستة أشهر ، وكانا ابني الخالة ، ثم قُتل يحيى قبل أن يرفع عيسى عليه السلام . وقال أبو عبيدة ( بكلمة من الله ) أي بكتاب من الله وآياته ، تقول العرب : أنشدني كلمةَ فلان أي قصيدته . قوله تعالى : { وَسَيِّدًا } هو فعيل من ساد يسود وهو الرئيس الذي يتبع وينتهى إلى قوله ، قال المفضل : أراد سيداً في الدين . قال الضحاك : السيد الحسن الخلق . قال سعيد بن جبير : السيد الذي يطيع ربه عز وجل . وقال سعيد بن المسيب : السيد الفقيه العالم ، وقال قتادة : سيد في العلم والعبادة والورع ، وقيل : الحليم الذي لا يغضبه شيء . قال مجاهد : الكريم على الله تعالى ، وقال الضحاك : السيد التقي ، قال سفيان الثوري : الذي لا يحسد وقيل : الذي يفوق قومه في جميع خصال الخير ، وقيل : هو القانع بما قسم الله له . وقيل : السخي . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم " « من سيّدكم يا بني سلمة » ؟ قالوا : جد بن قيس على أنّا نبخِّله قال : « وأي داء أدوأ من البخل ، لكن سيدكم عمرو بن الجموح » " . قوله تعالى : { وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } الحصور أصله من الحصر وهو الحبس . والحصور في قول ابن مسعود رضي الله عنه وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة رضي الله عنهم وعطاء والحسن : الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن ، وهو على هذا القول فعول بمعنى فاعل يعني أنه يحصر نفسه عن الشهوات [ وقيل : هو الفقير الذي لا مال ] له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء . قال سعيد بن المسيب : كان له مثل هدبة الثوب وقد تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره . وفيه قول آخر : أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه . واختار قوم هذا القول لوجهين ( أحدهما ) : لأن الكلام خرج مخرج الثناء ، وهذا أقرب إلى استحقاق الثناء ، و ( الثاني ) : أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء .