Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 83-91)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ، وذلك أنّ أهل الكتاب اختلفوا فادّعى كل واحد أنه على دين إبراهيم عليه السلام واختصموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقضى النبي صلّى الله عليه وسلم : " كِلاَ الفريقين بريء من دين إبراهيم عليه السلام " ، فغضبوا وقالوا : لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ، فأنزل الله تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ، قرأ أبو جعفر وأهل البصرة وحفص عن عاصم { يَبْغُونَ } بالياء لقوله تعالى { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى { لَمَآ ءَاتَيْتُكُم } ، { وَلَهُ أَسْلَمَ } ، خضع وانقاد ، { مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } ، فالطوع : الانقياد والاتباع بسهولة ، والكره : ما كان بمشقة وإباءٍ من النفس . واختلفوا في قوله : « طوعاً وكرهاً » قال الحسن : أسلم أهل السموات طوعاً وأسلم من في الأرض بعضهم طوعاً وبعضهم كرهاً ، خوفاً من السيف والسبي ، وقال مجاهد : طوعاً المؤمن ، وكرهاً ذلك الكافر ، بدليل : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ الرعد : 15 ] وقيل : هذا يوم الميثاق حين قال لهم : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] ، فقال بعضهم : طوعاً وبعضهم : كرهاً ، وقال قتادة : المؤمن أسلم طوعاً فنفعه ، والكافر أسلم كرهاً في وقت اليأس فلم ينفعه ، قال الله تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] وقال الشعبي : هو استعاذتهم به عند اضطرارهم ، كما قال الله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] . وقال الكلبي : طوعاً الذي ( وُلد ) في الإِسلام ، وكرهاً الذين أُجبروا على الإِسلام ممن يُسبى منهم فيجاء بهم في السلاسل ، { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ، قرأ بالياء حفص عن عاصم ويعقوب كما قرأ { يَبْغُونَ } بالياء وقرأ الباقون بالتاء فيهما إلا أبو عمرو فإنه قرأ { يبغون } بالياء و { ترجعون } بالتاء ، قال : لأن الأول خاص والثاني عام ، لأن مرجع جميع الخلق إلى الله عزّ وجلّ . قوله تعالى : { قُلْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ، ذكر الملل والأديان واضطراب الناس فيها ، ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقول : « آمنا بالله » الآية . قوله : { ومَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإِسلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } ، نزلت في اثني عشر رجلاً ارتدّوا عن الإِسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفاراً ، منهم الحارث بن سويد الأنصاري ، فنزل فيهم { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } . { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } لفظة استفهام ومعناه جحد ، أي : لا يهدي الله ، وقيل معناه : كيف يهديهم الله في الآخرة إلى الجنة والثواب { وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } . { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } . { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } وذلك : أن الحارث بن سويد لما لحق بالكفار ندم ، فأرسل إلى قومه : أن سلوا رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم : هل لي من توبة ففعلوا ذلك ، فأنزل الله تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، لما كان منه ، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه فقال الحارث : إنك - والله - ما علمت لصدوق وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله عزّ وجلّ لأصدق الثلاثة ، فرجع الحارث إلى المدينة فأسلم وحسن إسلامه . قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } قال قتادة والحسن : نزلت في اليهود كفروا بعيسى عليه السلام والإِنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم ، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم والقرآن . وقال أبو العالية : نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلم لمّا رأوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم ، ثم ازدادُوا كفراً ، يعني : ذنوباً في حال كفرهم . قال مجاهد : نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ، ثم ازدادُوا كفراً أي : أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه . قال الحسن : ازدادُوا كفراً كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادُوا كفراً وقيل : ازدادُوا كفراً بقولهم : نتربص بمحمد ريبَ المنون . قال الكلبي : نزلت في الأحد عشر من أصحاب الحارث بن سويد ، لما رجع الحارث إلى الإِسلام أقاموا هم على الكفر بمكة وقالوا : نقيم على الكفر ما بدَا لنَا فمتى أردنا الرجعة ينزل فينا ما نزل في الحارث ، فلما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة فمن دخل منهم في الإِسلام قُبلت توبتُه ، ونزل فيمن مات منهم كافراً { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } الآية . فإن قيل : قد وعد الله قبول توبة من تاب ، فما معنى قوله : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } ؟ قيل : لن تُقبل توبتُهم إذا ( رجعوا في حال المعاينة ) ، كما قال : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ } [ النساء : 18 ] . وقيل : هذا في أصحاب الحارث بن سويد حيث أمسكوا عن الإِسلام ، وقالوا : نتربص بمحمد فإن ساعده الزمان نرجع إلى دينه ، فلن يقبل منهم ذلك لأنهم متربصون غير محققين ، وأولئك هم الضالون . قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأرْضِ } ، أي : قدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها ، { ذَهَبًا } ، نصب على التفسير ، كقولهم : عشرون درهماً . { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } ، قيل : معناه لو افتدى به ، والواو زائدة مقحمة ، { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ } . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أخبرنا غندر أخبرنا شعبة عن أبي عمران قال : سمعتُ أنس بن مالك : عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : " يقول الله لأهونِ أهل النار عذاباً يوم القيامة : لو أنّ لكَ ما في الأرض من شيء أكنتَ تفتدي به ؟ فيقول : نعم ، فيقول : أردتُ منك أهونَ من ذلك وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي " .