Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 93-93)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَٰءِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } سبب نزول هذه الآية : " أن اليهود قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم : تزعم أنك على مِلّة إبراهيم ؟ وكان إبراهيم لا يأكل لحُوم الإِبل وألبانها وأنت تأكلها ، فلستَ على مِلّته ! ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : « كان ذلك حلالاً لإِبراهيم عليه السلام » ، فقالوا : كلُّ ما نحرمُه اليومَ كان ذلك حراماً على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا " ، فأنزل الله تعالى هذه الآية { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ } يريد : سِوَى الميتة والدم ، فإنه لم يكن حلالاً قط . { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } وهو يعقوب عليه السلام { مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاة } ، يعني : ليس الأمر على ما قالوا من حرمة لحوم الإِبل وألبانها على إبراهيم ، بل كان الكلُّ حلالاً له ولبني إسرائيل ، وإنما حرّمها إسرائيل على نفسه قبل نزول التوراة ، يعني : ليست في التوراة حرمتُها . واختلفوا في الطعام الذي حرّمه يعقوب على نفسه وفي سببه ، قال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبي : كان ذلك الطعام : لحمان الإِبل وألبانها ، ورُوي أن يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سُقْمُه فنذر لئن عافاه الله من سقمه ليُحرِمَنَّ أحبَّ الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإِبل وأحب الشراب إليه ألبانها ، فحرّمهما . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك : هي العروق . وكان السبب في ذلك أنه اشتكى عرق النَّسا وكان أصل وجعه ، فيما روي جُويبر ومقاتل عن الضحاك : أن يعقوب كان نذر إن وهبه الله اثني عشر ولداً وأتى بيت المقدس صحيحاً أن يذبح آخرهم ، فتلقاه ملَك [ من الملائكة ] ، فقال : يا يعقوب إنك رجل قوي فهل لك في الصراع ، فعالجه فلم يصرعْ واحدٌ منهما صاحبَه ، فغمزه الملَك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ، ثم قال له : أمَا إني لو شئت أن أصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحاً ذبحت آخر ولدك ، فجعل الله لك بهذه الغمزة من ذلك مخرجاً ، فلما قدمها يعقوب أراد ذبح ولده ونسي قول الملك ، فأتاه الملَكُ وقال : إنما غمزتك للمخرج وقد وُفي نذرُك فلا سبيل لك إلى ولدك . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : أقبل يعقوب من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو : وكان رجلاً بطيشاً قوياً فلقيه ملك فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه ، فغمز الملك فخذ يعقوب ، ثم صعد إلى السماء ويعقوب عليه السلام ينظر إليه ، فهاج به عرق النسا ولقي من ذلك بلاءً وشدةً ، وكان لا ينام بالليل من الوجع ، ويبيت وله زقاء ، أي : صياح ، فحلف يعقوب لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقاً ولا طعاماً فيه عرق ، فحرمه على نفسه ، فكان بنوه بعد ذلك يتبعون العروق ، يخرجونها من اللحم . وروى جُويبر عن الضحاك عن ابن عباس : لمّا أصاب يعقوب عرق النسا وصف له الأطباء أن يجتنب لحمان الإِبل فحرمها يعقوب على نفسه . وقال الحسن : حرّم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبداً لله تعالى : فسأل ربَّه أن يجيز له ذلك فحرمه الله على ولده . ثم اختلفوا في هذا الطعام المحرم على بني إسرائيل بعد نزول التوراة ، وقال السدي : حرّم الله عليهم في التوراة ما كانوا يحرمونه قبل نزولها ، وقال عطية : إنما كان محرّماً عليهم بتحريم إسرائيل فإنه كان قد قال : لئن عافاني الله لا يأكله لي ولدٌ ، ولم يكن محرّماً عليهم في التوراة ، وقال الكلبي : لم يحرمه الله ( عليهم ) في التوراة وإنما حُرم عليهم بعد التوراة بظلمهم ، كما قال الله تعالى : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] وقال الله تعالى : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } ، إلى أن قال : { ذَٰلِكَ جَزَيْنَـٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنباً عظيماً حرّم الله عليهم طعاماً طيباً أو صبّ عليهم رِجْزاً وهو الموت . وقال الضحاك : لم يكن شيء من ذلك حراماً عليهم ولا حرمه الله في التوراة ، وإنما حرموه على أنفسهم اتّباعاً لأبيهم ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله ، فكذّبهم الله عزّ وجلّ ، فقال : { قُلْ } يا محمد { فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا } ، حتى يتبين أنه كما قلتم ، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، فلم يأتوا .