Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 99-102)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ } ، يعني إبراهيم ، { إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّى } ، أي : مهاجر إلى ربي ، والمعنى : أهجر دار الكفر وأذهب إلى مرضاة ربي ، قاله بعد الخروج من النار ، كما قال : { إِنِّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّى } [ العنكبوت : 26 ] ، { سَيَهْدِينِ } ، إلى حيث أمرني بالمصير إليه ، وهو الشام . قال مقاتل : فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال : { رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } ، يعني هب لي ولداً صالحاً من الصالحين . { فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ } ، قيل : بغلام في صغره ، حليم في كبره ، ففيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش فينتهي في السن حتى يوصف بالحلم . { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } ، قال ابن عباس وقتادة : يعني المشي معه إلى الجبل . وقال مجاهد عن ابن عباس : لمّا شبّ حتى بلغ سعيُه سعي إبراهيم . والمعنى : بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله . قال الكلبي : يعني العمل لله تعالى ، وهو قول الحسن ومقاتل بن حيان وابن زيد ، قالوا : هو العبادة لله تعالى . واختلفوا في سنه ، قيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة . وقيل : كان ابن سبع سنين . { قَالَ يٰبُنَىَّ إِنِّىۤ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ } . واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أُمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق ، فقال قوم : هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة : عمر ، وعلي وابن مسعود ، وابن عباس ، ومن التابعين وأتباعهم : كعب الأحبار ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومسروق ، وعكرمة ، وعطاء ، ومقاتل ، والزهري ، والسدي ، وهي رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقالوا : كانت هذه القصة بالشام . وروي عن سعيد بن جبير قال : أُريَ إبراهيم ذبح إسحاق في المنام ، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى ، فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش ، ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطويت له الأودية والجبال . وقال آخرون : هو إسماعيل ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي ، وهي رواية عطاء بن أبي رباح ، ويوسف بن ماهك عن ابن عباس ، قال : المفدى إسماعيل . وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله : { فَبَشَّرْنَـٰهُ بِغُلَـٰمٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } [ الصافات : 101 ] أمره بذبح من بَشّره به ، وليس في القرآن أنه بُشِّر بولد سوى إسحاق ، كما قال في سورة هود : { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ } [ هود : 71 ] . ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 112 ] ، دلّ على أن المذبوح غيره ، وأيضاً قال الله تعالى في سورة هود : { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] ، فكما بشره بإسحاق بشره بابنه يعقوب ، فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه . قال القرظي : سأل عمر بن عبد العزيز رجلاً كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه : أيُّ ابني إبراهيم أُمِرَ بذبحهِ ؟ فقال : إسماعيل ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله تعالى بذبحه ، ويزعمون أنه إسحاق . ومن الدليل عليه : أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج . قال الشعبي : رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة . وعن ابن عباس قال : والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة ، قد وحش ، يعني يبس . قال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل ؟ فقال : يا صميع أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة ؟ إنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه . وأما قصة الذبح قال السدي : لما دعا إبراهيم فقال : ربّ هبّ لي من الصالحين ، وبُشر به ، قال : هو إذاً لله ذبيح ، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له : أوف بنذرك ، هذا هو السبب في أمر الله تعالى إيّاه بذبح ابنه ، فقال عند ذلك ، لإِسحاق : انطلق فقرب قرباناً لله تعالى فأخذ سكيناً وحبلاً وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال ، فقال له الغلام : يا أبت أين قربانك ؟ فقال : { يـٰبُنَىَّ إِنِّىۤ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ ما تُؤْمر } . وقال محمد بن إسحاق : كان إبراهيم إذا زار هاجَر وإسماعيلَ حُمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ، ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام ، حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي ، وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته ، أُمِر في المنام أن يذبحه ، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا ، فلما أصبح رَوي في نفسه أي : فكر من الصباح إلى الرواح ، أمِنَ الله هذا الحلم أمْ من الشيطان ؟ فمن ثَمَّ سُمي يوم التروية ، فلما أمسى رأى في المنام ثانياً ، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عزّ وجلّ ، فمن ثَمَّ سُمي يوم عرفة . قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات ، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه ، فقال : { يـٰبُنَىَّ إِنِّىۤ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } . قرأ حمزة والكسائي : " تُرِى " بضم التاء وكسر الراء - ماذا تشير ، وإنما أمره ليعلم صبره على أمر الله تعالى ، وعزيمته على طاعته . وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فإنه يُميلُ الراء . قال له ابنه : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ ما تُؤْمر } , وقال ابن إسحاق وغيره : فلما أُمِرَ إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني خذِ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب ، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثَبِيْر أخبره بما أُمِرَ ، { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِىۤ إِن شَآءَ ٱللهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } .