Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 25-25)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ } ، يعني : ذلك الذنب ، { وَإِنَّ لَهُ } ، بعد المغفرة ، { عِندَنَا } ، يوم القيامة ، { لَزُلْفَىٰ } ، لقربة ومكانة ، { وَحُسْنَ مَـَآبٍ } ، أي : حسن مرجع ومنقلب . قال وهب بن منبه : إن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا يرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً ، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة ، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام : يوم للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوم لنسائه ، ويوم يسبّح في الفيافي والجبال والسواحل ، ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب ، فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه ، فيساعدونه على ذلك ، فإذا كان يوم نياحته يخرج في الفيافي فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وَيُبْكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار ، ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وَيُبْكي معه الجبال والحجارة والدواب والطير ، حتى تسيل من بكائهم الأودية ، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وَتَبْكي معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء والسِّباع ، فإذا أمسى رجع ، فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه أن اليوم يوم نَوح داود على نفسه فليحضر من يساعده ، فيدخل الدار التي فيها المحاريب ، فيبسَط له ثلاثة فرش مسوح حشوها ليف ، فيجلس عليها ويجيء أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي ، فيجلسون في تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ، ويرفع الرهبان معه أصواتهم ، فلا يزال يبكي حتى تغرق الفُرُشُ من دموعه ، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب ، فيجيء ابنه سليمان فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ، ثم يمسح بها وجهه ، ويقول : يا رب اغفر لي ما ترى ، فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله . وقال وهب : ما رفع داود رأسه حتى قال له الملك : أول أمرك ذنب وآخره معصية ، ارفع رأسك فرفع رأسه فمكث حياته لا يشرب ماءً إلاَّ مزجه بدموعه ، ولا يأكل طعاماً إلاَّ بلَّه بدموعه . وذكر الأوزاعي مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مثل عيني داود كقربتين تنطفان ماءً ، ولقد خدَّت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض " . قال وهب : لما تاب الله على داود قال : يا رب غفرتَ لي فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فأستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة ؟ قال : فوسم الله خطيئته في يده اليمنى ، فما رفع فيها طعاماً ولا شراباً إلا بكى إذا رآها ، وما قام خطيباً في الناس إلا بسط راحته فاستقبل الناس ليروا وسم خطيئته ، وكان يبدأ إذا دعا فاستغفر للخاطئين قبل نفسه . وقال قتادة عن الحسن : كان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين ، يقول : تعالوا إلى داود الخاطئ فلا يشرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه ، وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعة فلا يزال يبكي عليه حتى يبتل بدموع عينيه ، وكان يذرُّ عليه الملح والرماد فيأكل ويقول : هذا أكل الخاطئين , قال : وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر ، فلما كان من خطيئته ما كان ، صام الدهر كله وقام الليل كله . وقال ثابت : كان داود إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله ، فلا يشدها إلا الأسر ، وإذا ذكر رحمة الله تراجعت . وفي القصة : أن الوحوش والطير كانت تستمع إلى قراءته ، فلما فعل ما فعل كانت لا تصغي إلى قراءته ، فروي أنها قالت : يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك . وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن حرب وأبوالنعمان قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " سجدة صۤ ليست من عزائم السجود ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها " . وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد ابن عبيد الطنافسي ، عن العوام قال : سألتُ مجاهداً عن سجدة صۤ فقال : سألت ابن عباس من أين سجدت ؟ قال : أوَما تقرأ : { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ } [ الأنعام : 84 ] إلى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] ، وكان داود ممن أُمِرَ نبيكم أن يَقْتَدِيَ به ، فسجدها داود ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة محمد بن زيد بن خنيس ، حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال : قال لي ابن جريج : أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " جاء رجُل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله إنّي رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة ، فسجدتُ فسجدتِ الشجرة لسجودي ، فسمعتها وهي تقول : اللهم اكتب لي بها عندك أجراً ، وضع عني بها وزراً ، واجعلها لي عندك ذخراً ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود . قال الحسن : قال ابن جريج : قال لي جدك : قال ابن عباس : فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد ، فسمعته وهو يقول مثل ذلك ، ما أخبره الرجل عن قول الشجرة " .