Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 32-42)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللهِ } ، فزعم أن له ولداً وشريكاً ، { وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ } ، بالقرآن { إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوىً } ، منزلٌ ومقام ، { لِّلْكَـٰفِرِينَ } ، استفهام بمعنى التقرير . { وَٱلَّذِى جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } . قال ابن عباس : " والذي جاء بالصدق " يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلا إله إلا الله " وصدَّق به " الرسول أيضاً بلَّغه إلى الخلق . وقال السدي : " والذي جاء بالصدق " جبريل جاء بالقرآن ، " وصدق به " محمد صلى الله عليه وسلم تلقاه بالقبول . وقال الكلبي وأبو العالية : " والذي جاء بالصدق " رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " وصدّق به " أبو بكر رضي الله عنه . وقال قتادة ومقاتل : " والذي جاء بالصدق " رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " وصدّق به " هم المؤمنون ، لقوله عزّ وجلّ : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } . وقال عطاء : " والذي جاء بالصدق " الأنبياء " وصدّق به " الأتباع ، وحينئذ يكون الذي بمعنى : الذين ، كقوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [ البقرة : 17 ] ، ثم قال : { ذَهَبَ ٱللهُ بِنُورِهِمْ } [ البقرة : 17 ] . وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاؤوا به في الآخرة . وفي قراءة عبد الله بن مسعود : والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به . { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } . { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ * لِيُكَـفِّرَ ٱللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } ، يسترها عليهم بالمغفرة ، { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، قال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوئ . قوله عزّ وجلّ : { أَلَيْسَ ٱللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } ؟ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي ، " عباده " بالجمع يعني : الأنبياء عليهم السلام ، قصدهم قومهم بالسوء كما قال : { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأخُذُوهُ } [ غافر : 5 ] ، فكفاهم الله شر من عاداهم ، { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } ، وذلك أنهم خوّفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرَّة الأوثان . وقالوا : لتكفنّ عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون ، { وَمَن يُضْلِلِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } . { وَمَن يَهْدِ ٱللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللهُ بِعَزِيزٍ ذِى ٱنتِقَامٍ } ، منيع في ملكه ، منتقم من أعدائه . { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللهُ قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ من دونِ ٱللهِ إنْ أَرَادَنِىَ ٱللهُ بِضُرٍّ } ، بشدة وبلاء ، { هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ } ، بنعمة وبركة ، { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } ، قرأ أهل البصرة : " كاشفاتٌ " و " ممسكاتٌ " بالتنوين ، " ضرَّه " " ورحمتَه " بنصب الراء والتاء ، وقرأ الآخرون بلا تنوين وجر الراء والتاء على الإضافة ، قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا ، فقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ حَسْبِىَ ٱللهُ } ، ثقتي به واعتمادي عليه ، { عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } ، يثق به الواثقون . { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّى عَـٰمِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ، أي : ينزل عليه عذاب دائم . { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } ، وبال ضلالته عليه ، { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } ، بحفيظ ورقيب لم توكل بهم ولا تؤاخذ بهم . قوله عزّ وجلّ : { ٱللهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } ، أي : الأرواح ، { حِينَ مِوْتِـهَا } ، فيقبضها عند فناء أكلها وانقضاء أجلها ، وقوله : { حِينَ مِوْتِـهَا } يريد موت أجسادها . { وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ } ، يريد يتوفى الأنفس التي لم تمت ، { فِى مَنَامِـهَا } ، والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز ، ولكل إنسان نفسان : إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارقه عند الموت فتزول بزوالها النفس ، والأخرى نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام ، وهو بعد النوم يتنفس . { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } ، فلا يردها إلى الجسد . قرأ حمزة والكسائي " قُضِيَ " بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء ، " الموتُ " رفع على ما لم يُسم فاعلهُ ، وقرأ الآخرون بفتح القاف والضاد ، " الموتَ " نصب لقوله عزّ وجلّ : { ٱللهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } . { وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } ، ويرد الأخرى وهي التي لم يقضِ عليها الموت إلى الجسد ، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، إلى أن يأتي وقت موته . ويقال : للإِنسان نفس وروح ، فعند النوم تخرج النفس وتبقي الروح . وعن علي قال : تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد ، فبذلك يرى الرؤيا ، فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة . ويقال : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله ، فإذا أرادت الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده ، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا عبد الله بن عمر حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم يقول : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " . { إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ، لدلالات على قدرته حيث لم يغلط في إمساك ما يمسك من الأرواح ، وإرسال ما يرسل منها . قال مقاتل : لعلامات لقوم يتفكرون في أمر البعث ، يعني : إنَّ توفي نفس النائم وإرسالها بعد التوفي دليل على البعث .