Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 51-53)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأَصَـٰبَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } ، أي : جزاؤها يعني العذاب . ثم أوعد كفار مكة فقال : { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } ، بفائتين لأن مرجعهم إلى الله عزّ وجلّ . { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي : يوسع الرزق لمن يشاء { وَيَقْدِرُ } ، أي : يقتر على من يشاء ، { إِنَّ فِى ذَلِكَ للأَيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . قوله عزّ وجلّ : { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللهِ } . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن ناساً من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا ، وزنوا وأكثروا ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت هذه الآية . وقال عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه : كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق آثاماً ، يضاعف له العذاب ، وأنا قد فعلت ذلك كله ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } [ مريم : 60 ] فقال وحشي : هذا شرط شديد لعلّي لا أقدر عليه فهل غير ذلك ؟ فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 و116 ] ، فقال وحشي : أراني بعد في شبهة ، فلا أدري يغفر لي أم لا ؟ فأنزل الله تعالى : { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللهِ } ، فقال وحشي : نعم هذا ، فجاء وأسلم ، فقال المسلمون : هذا له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال : بل للمسلمين عامة . ورُوي عن ابن عمر قال : نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا ، فافتتنوا فكنّا نقول : لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً ، وقوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فكتبها عمر بن الخطاب بيده ثم بعث بها إلى عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا . وروى مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر قال : كنّا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نُرى أو نقول : ليس بشيء من حسناتنا إلاَّ وهي مقبولة حتى نزلت : { أَطِيعُواْ ٱللهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالكُمْ } [ محمد : 33 ] ، فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا الكبائر والفواحش ، قال : فكنّا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا قد هلك ، فنزلت هذه الآية ، فكففنا عن القول في ذلك ، فكنّا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له . وأراد بالإسراف ارتكاب الكبائر . وروي عن ابن مسعود أنه دخل المسجد فإذا قاص يقص وهو يذكر النار والأغلال ، فقام على رأسه فقال : يا مذكر لم تقنّطُ الناسَ ؟ ثم قرأ : { يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱلله } . أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموي ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبدالله بن حميد ، حدثنا حيان بن هلال وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال قالوا : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللهِ إِنَّ ٱللهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } ولا يبالي " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن أبي الصِّدِّيق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعةً وتسعين إنساناً ، ثم خرج يسأل فأتى راهباً فسأله ، فقال : هل لي من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله فكمل به المائة ، فقال له رجل : ائتِ قريةَ كذا وكذا ، فأدركه الموت فَنأَى بصدره نحوها ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تقربي وأوحى إلى هذه أن تباعدي ، وقال : قيسوا ما بينهما فوُجِدَ إلى هذه أقرب بشبر فغفر له " . ورواه مسلم بن الحجاج عن محمد بن المثني العنبري عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة بهذا الإِسناد ، وقال : " فَدُلّ على راهب فأتاه فقال إنّه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة ؟ فقال له : لا فقتله وكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم ، فقال له : قتلت مائة نفس فهل لي من توبة ؟ فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبدِ اللهَ معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة " . أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال رجل - لم يعمل خيراً قط - لأهله إذا مات فحرِّقوه ، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ، قال : فلما مات فعلوا ما أمرهم ، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال له : لِمَ فعلتَ هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب وأنت أعلم ، فغفر له " . أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبدالله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبدالله الخلال ، حدثنا عبدالله بن المبارك عن عكرمة بن عمار ، حدثنا ضمضم بن جوسٍ قال : دخلت مسجد المدينة فناداني شيخ ، فقال : يا يماني تعال ، وما أعرفه ، فقال : لا تقولن لرجل : والله لا يغفر الله لك أبداً ، ولا يدخلك الله الجنة ، قلت : ومن أنت يرحمك الله ؟ قال : أبو هريرة ، قال فقلت : إن هذه الكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله إذا غضب أو لزوجته أو لخادمه ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين أحدهما مجتهد في العبادة والآخر يقول كأنه مذنب ، فجعل يقول : أقصِرْ أقصِرْ عمّا أنت فيه ، قال فيقول خلِّني وربي ، قال : حتى وجده يوماً على ذنب استعظمه ، فقال : اقصر ، فقال : خلني وربي أبُعثتَ عليَّ رقيباً ؟ فقال : واللهِ لا يغفر اللهُ لك أبداً ، ولا يدخلك الجنة أبداً . قال : فبعث الله إليهما ملَكاً فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده ، فقال للمذنب : ادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي ؟ فقال : لا يا رب ، فقال اذهبوا به إلى النار " قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته . قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ ٱللهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } . أخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر القَفَّال ، أخبرنا أبو مسعود محمد ابن أحمد بن يونس الخطيب ، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا أبو قلابة ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } [ النجم : 32 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :