Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 81-83)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } ، يعني : المنافقين يقول باللسان للرسول صلّى الله عليه وسلم : إنّا آمنا بك فَمُرْنا فأمرك طاعة ، قال النحويون : أي أمرُنا وشأنُنا أن نطيعك ، { فَإِذَا بَرَزُواْ } ، خرجُوا ، { مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِى تَقُولُ } ، قال قتادة والكلبي : بيّتَ أي : غيّر وبدّل الذي عَهِدَ إليهم النبي صلّى الله عليه وسلم ، ويكون التبييت بمعنى التبديل ، وقال أبو عبيدة والقتيبي : معناه قالوا وقدرُوا ليلاً غير ما أعطوك نهاراً ، وكل ما قدر بليل فهو تبييت ، وقال أبو الحسن الأخفش : تقول العرب للشيء إذا قُدِّرَ ، قد بُيِّتَ ، يُشبهونه بتقدير بيوت الشعر ، { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ } أي : يُثبتُ ويحفظ ، { مَا يُبَيِّتُونَ } ، ما يُزوّرون ويُغيّرون ويقدرون ، وقال الضحاك ، عن ابن عباس : يعني ما يُسرّون من النفاق ، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، يا محمد ولا تعاقبهم ، وقيل : لا تُخبرْ بأسمائهم ، مُنع الرسول صلّى الله عليه وسلم من الإِخبار بأسماء المنافقين ، { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } ، أي : اتخذه وكيلاً فكفى بالله وكيلاً وناصراً . قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ } ، يعني : أفلا يتفكّرون في القرآن ، والتدبر هو النظر في آخر الأمر ، ودُبر كلِّ شيءٍ آخره . { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } ، أي تفاوتاً وتناقضاً كثيراً ، قاله ابن عباس ، وقيل : لوجدوا فيه أي : في الإِخبار عن الغيب بما كان وبما يكون اختلافاً كثيراً ، أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا - بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر - أنه كلام الله تعالى لأن مالا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف . قوله تعالى : { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } ، وذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غَلَبُوا أو غُلِبُوا بادَرَ المنافقون يستخبرون عن حالهم ، فيُفشون ويُحدِّثون به قبل أن يُحدِّثَ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيُضعفون به قلوبَ المؤمنين فأنزل الله تعالى { وإِذَا جَآءَهُمْ } يعني : المنافقين { أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ } أي : الفتح والغنيمة { أَوِ ٱلْخَوْفِ } القتل والهزيمة { أَذَاعُواْ بِهِ } أشاعوه وأفشوه ، { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ } أي : لو لم يحدثوا به حتى يكون النبي صلّى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به ، { وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ } ، أي : ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ، أي : يستخرجونه وهم العلماء ، أي : عَلِمُوا ما ينبغي أن يُكتم وما ينبغي أن يُفشي ، والاستنباط : الاستخراج ، يقال : استنبط الماءَ إذا استخرجه ، وقال عكرمة : يستنبطونه أي : يحرصون عليه ويسألون عنه ، وقال الضحاك : يتّبعونه ، يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين ولو ردوه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم ، لَعلمَه الذين يستنبطونه منهم ، أي : يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ } ، كلكم ، { إِلاَّ قَلِيلاً } ، فإن قيل : كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكلُّ الشيطانَ ؟ قيل : هو راجع إلى ما قبله ، قيل : معناه أذاعوا به إلا قليلاً لم يفشه ، عنى بالقليل المؤمنين ، وهذا قول الكلبي واختيار الفراء ، وقال : لأنّ عِلْمَ السرِّ إذا ظهرَ عَلِمَهُ المستنبطُ وغيرُه ، والإِذاعة قد تكون في بعضٍ دون بعض ، وقيل : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلاً ، ثم قوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ } كلام تام . وقيل : فضلُ الله : الإِسلامُ ، ورحمتُه : القرآن ، يقول لولا ذلك لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً ، وهم قوم اهتدوا قبل مجيء الرسول صلّى الله عليه وسلم ونزول القرآن ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وجماعة سواهما . وفي الآية دليل على جواز القياس ، فإن من العلم ما يُدرك بالتلاوة والرواية وهو النّص ، ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص .