Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 89-90)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَدُّواْ } ، تمنُّوا ، يعني أولئك الذين رجعوا عن الدين تمنّوا { لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } ، في الكفر ، وقوله { فَتَكُونُونَ } لم يُردْ به جواب التمني لأن جواب التمني بالفاء منصوب ، إنّما أراد النسق ، أي : وَدُّوا لو تكفرونَ ووَدُّوا لو تكونونَ سواء ، مثل قوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] أي : وَدُّوا لو تدهن وودّوا لَوْ تُدهنون ، { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ } ، منعَ من موالاتهم ، { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، معكم . قال عكرمة : هي هجرة أُخرى ، والهجرة على ثلاثة أوجه : هجرة المؤمنين في أوّل الإِسلام ، وهي قوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـٰجِرِينَ } [ الحشر : 8 ] وقوله : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ النساء : 100 ] ، ونحوهما من الآيات ، وهجرة المنافقين : وهي الخروج في سبيل الله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صابراً محتسباً [ كما حكي هاهنا ] مَنَعَ من موالاتهم حتى يُهاجروا في سبيل الله ، وهجرة سائر المؤمنين وهي . ما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : " المهاجرُ من هَجَرَ ما نَهى الله عنه " . قوله تعالى : { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } ، أعرضوا عن التوحيد والهجرة ، { فَخُذُوهُمْ } ، أي : خذوهم أسارى ، ومنه يقال للأسير أخِيذ ، { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } في الحِلّ والحَرَمِ ، { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } ، ثم استثنى طائفةً منهم فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ } وهذا الاستثناء يرجع إلى القتل لاَ إلى الموالاة ، لأنّ موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال ، ومعنى { يَصِلُونَ } أي : ينتسبون إليهم ويتصلون بهم ويدخلون فيهم بالحِلْفِ والجوار ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد ويلجؤون إلى قوم ، { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَـٰقٌ } أي : عهد ، وهم الأسلميون ، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وَادَعَ هلال َبن عويمر الأسلمي قبل خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يُعين عليه ، ومن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال . وقال الضّحاك عن ابن عباس : أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق بني بكر بن زيد بن مَنَاة كانوا في الصلح والهدنة ، وقال مقاتل : هم خُزاعة . وقوله : { أَوْ جَآءُوكُمْ } أي : يتصلون بقوم جاؤوكم ، { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } أي : ضاقتْ صدورُهم ، قرأ الحسن ويعقوب { حصرةً } منصوبة منونة أي : ضيقة صدورهم ، [ يعني القوم الذين جاؤوكم وهم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا أن لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشاً أن لا يقاتلوهم ، حَصِرتْ : ضاقت صدورهم ] ، { أَن يُقَـٰتِلُوكُمْ } أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم ، { أَوْ يُقَـٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ } ، يعني : من أمِنَ منهم ، ويجوز أن يكون معناه أنهم لا يقاتلونكم مع قومهم ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعني قريشاً قد ضاقت صُدُورُهم لذلك . وقال بعضهم : أو بمعنى الواو ، كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حَصِرَتْ صدورُهم ، أي حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم ، وهم قوم هلال الأسلميون وبنو بكر ، نهَى الله سبحانه عن قتال هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهدٍ للمسلمين ، لأنّ من انضم إلى قوم ذوي عهدٍ فله حكمهم في حقن الدم . قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَـٰتَلُوكُمْ } ، يذكر مِنّتَهُ على المسلمين بكفِّ بأسِ المعاهدين ، يقول : إن ضيق صدورهم عن قتالكم لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب وكفهم عن قتالكم ، ولو شاء الله لسلّطهم عليكم فَلَقَاتلوكم مع قومهم ، { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } أي : اعتزلوا قتالَكم ، { فَلَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ } ، ومن اتصل بهم ، ويقال : يوم فتح مكة يقاتلوكم مع قومهم ، { وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } ، أي : الصلح فانقادُوا واستسلموا { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي : طريقاً بالقتل والقتال .