Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 21-25)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللهُ } ، يعني كفار مكة ، يقول : أم لهم آلهة سنُّوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : شرعوا لهم ديناً غير دين الإِسلام . { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلفَصْلِ } ، لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة ، حيث قال : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [ القمر : 46 ] ، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } ، لفُرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا ، { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، المشركين ، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، في الآخرة . { تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، المشركين يوم القيامة ، { مُشْفِقِينَ } ، وجلين ، { مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } ، جزاء كسبهم واقع بهم ، { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فِى رَوْضَـٰتِ ٱلْجَنَّـٰتِ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } . { ذَلِكَ ٱلَّذِى } ، ذكرت من نعيم الجنة ، { يُبَشِّرُ ٱللهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } ، فإنهم أهله ، { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووساً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن قوله : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } ، قال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : عجلتَ ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلاَّ كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة . وكذلك روى الشعبي وطاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } يعني أن تحفظوا قرابتي وتودوني وتصلوا رحمي . وإليه ذهب مجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، ومقاتل ، والسدي ، والضحاك ، رضي الله عنهم . وقال عكرمة : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجراً إلاّ أن تحفظوني في قرابتي بيني وبينكم ، وليس كما يقول الكذابون . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية : إلاّ أن تودُّوا الله وتتقربوا إليه بطاعته ، وهذا قول الحسن ، قال : هو القربى إلى الله ، يقول : إلا التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح . وقال بعضهم : معناه إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم ، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب . واختلفوا في قرابته قيل : هم فاطمة وعلي وأبناؤهما ، وفيهم نزل : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [ الأحزاب : 33 ] . وروينا عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " ، قيل لزيد بن أرقم : مَنْ أهل بيته ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب ، حدثنا خالد ، حدثنا شعبة عن واقد قال : سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر قال : ارقبُوا محمداً في أهل بيته . وقيل : هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، الذين لم يتفرقوا في جاهلية ولا في إسلام . وقال قوم : هذه الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة ، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلة رحمه ، فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحبَّ اللهُ عزّ وجلّ أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 109 ] ، فأنزل الله تعالى { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللهِ } ، فهي منسوخة بهذه الآية ، وبقوله : { قُلْ مَآ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] ، وغيرها من الآيات . وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم ، والحسين بن الفضل . وهذا قول غير مرضي ؛ لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه ، والتقرب إلى الله بالطاعة ، والعمل الصالح من فرائض الدين ، وهذه أقاويل السلف في معنى الآية ، فلا يجوز المصير إلى نسخ شيء من هذه الأشياء . وقوله : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } ، ليس باستثناء متصل بالأول حتى يكون ذلك أجراً في مقابلة أداء الرسالة ، بل هو منقطع ، ومعناه : ولكني أذكركم المودة في القربى وأذكركم قرابتي منكم . كما روينا في حديث زيد بن أرقم : " أذكركم الله في أهل بيتي " . قوله عزّ وجلّ : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } ، أي : من يزد طاعةً نزد له فيها حسناً بالتضعيف ، { إِنَّ ٱللهَ غَفُورٌ } ، للذنوب ، { شَكُورٌ } ، للقليل حتى يضاعفها . { أَمْ يَقُولُونَ } ، بل يقولون يعني : كفار مكة ، { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } ، قال مجاهد : يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم ، وقولهم إنه مفتر ، قال قتادة : يعني يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك ، فأخبرهم أنه لو افترى على الله لفعل به ما أخبر عنه في هذه الآية ، ثم ابتدأ فقال : { وَيَمْحُ ٱللهُ ٱلْبَـٰطِلَ } ، قال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه : والله يمحو الباطل . وهو في محل رفع ، ولكنه حذف منه الواو في المصحف على اللفظ كما حذفت من قوله : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَـٰنُ } [ الإسراء : 11 ] و { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] أخبر أن ما يقولونه باطل يمحوه الله ، { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِ } ، أي : الإسلام بما أنزل من كتابه ، وقد فعل الله ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } ، قال ابن عباس : لما نزلت : { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } ، وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده ، فنزل جبريل فأخبره أنهم اتهموه وأنزل هذه الآية ، فقال القوم : يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق ؟ فنزل : { وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أولياءه وأهل طاعته ، قيل : التوبة ترك المعاصي نيةً وفعلاً ، والإِقبال على الطاعة نيةً وفعلاً ، قال سهل بن عبدالله : التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة . { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } ، إذا تابوا . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الحارث بن سويد قال : دخلت على عبدالله أعوده ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لله أفرح بتوبة عبده من رجل ، أظنه قال : في بِرّية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنزل فنام فاستيقظ وقد ضلّتْ راحلته ، فطاف عليها حتى أدركه العطش ، فقال : أرجع إلى حيث كانت راحلتي فأموت عليه ، فرجع فأغفى فاستيقظ فإذْ هو بها عنده عليها طعامه وشرابه " . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك وهو عمه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذْ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهمّ أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح " . { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } فيمحوها إذا تابوا . { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص " تفعلون " بالتاء ، وقالوا : هو خطاب للمشركين ، وقرأ الآخرون بالياء لأنه بين خبرين عن قوم ، فقال : قبله عن عباده , وبعده ويزيدهم من فضله .