Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 9-20)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ } ، [ بل اتخذوا ، أي : الكافرون ] ، { مِن دُونِهِ } ، [ أي : من دون الله ] ، { أَوْلِيَآءَ فَٱللهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ } ، [ قال ابن عباس رضي الله عنهما ] : وليّك يا محمد وولي مَنِ اتّبعك ، { وَهُوَ يُحْيي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } . { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ } ، من أمر الدين ، { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللهِ } ، يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب ، { ذَلِكُمُ ٱللهُ } ، الذي يحكم بين المختلفين هو ، { رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } . { فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً } ، من مثل خلقكم حلائل ، قيل : إنما قال " من أنفسكم " لأنه خلق حواء من ضلع آدم . { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوَٰجاً } ، أصنافاً ذكوراً وإناثاً ، { يَذْرَؤُكُمْ } ، يخلقكم ، { فِيهِ } ، أي : في الرحم . وقيل : في البطن . وقيل : على هذا الوجه من الخلقة . قال مجاهد : نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام . وقيل : " في " بمعنى الباء أي : يذرؤكم به . وقيل : معناه يكثركم بالتزويج . { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } ، " مثل " صلة ، أي : ليس هو كشيء ، فأدخل المثل للتوكيد ، كقوله : { فَإِنْ ءَامَنُواْ بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُمْ بِهِ } [ البقرة : 137 ] ، وقيل : الكاف صلة ، مجازه : ليس مثله شيء . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس له نظير { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، مفاتيح الرزق في السموات والأرض . قال الكلبي : المطر والنبات { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } لأن مفاتيح الرزق بيده ، { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } . قوله عزّ وجلّ : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ } ، بيّن لكم وسنّ لكم { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } ، وهو أول أنبياء الشريعة . قال مجاهد : أوصيناك وإياه يا محمد ديناً واحداً . { وَٱلَّذِىۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } ، من القرآن وشرائع الإسلام ، { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } ، واختلفوا في وجه الآية : فقال قتادة : تحليل الحلال وتحريم الحرام . وقال الحكم : تحريم الأمهات والبنات والأخوات . وقال مجاهد : لم يبعث الله نبياً إلاّ وَصَّاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإِقرار لله بالطاعة له ، فذلك دينه الذي شرع لهم . وقيل : هو التوحيد والبراءة من الشرك . وقيل : هو ما ذكر من بَعْدُ ، وهو قوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ، بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة . { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } ، من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال : { ٱللهُ يَجْتَبِىۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ } ، يصطفي إليه من عباده من يشاء ، { وَيَهْدِىۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } ، يقبل إلى طاعته . { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ } ، يعني أهل الأديان المختلفة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين . { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } ، بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك ، { بَغْيًا بَيْنَهُمْ } ، أي : للبغي ، قال عطاء : يعني بغياً بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } ، في تأخير العذاب عنهم ، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، وهو يوم القيامة ، { لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ } ، بين من آمن وكفر ، يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا ، { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني اليهود والنصارى ، { مِن بَعْدِهِمْ } ، من بعد أنبيائهم ، وقيل : من بعد الأمم الخالية . وقال قتادة : معناه من قبلهم أي : من قبل مشركي مكة . { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } ، أي : من محمد صلى الله عليه وسلم . { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ } ، أي : فإلى ذلك كما يقال دعوت إلى فلان ولفلان ، وذلك إشارة إلى ما وصّى به الأنبياء من التوحيد ، { وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } ، أثبت على الدين الذي أُمرت به ، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللهُ مِن كِتَـٰبٍ } ، أي : آمنت بكتب الله كلِّها ، { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } ، أن أعدل بينكم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أُمرتُ أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام . وقيل : لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء ، { ٱللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } ، يعني : إلهنا واحد ، وإن اختلفت أعمالنا ، فكلٌّ يُجازَى بعمله ، { لاَ حُجَّةَ } ، لا خصومة ، { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } ، نسختها آية القتال ، فإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة ، { ٱللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } ، في المعاد لفصل القضاء ، { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } . { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى ٱللهِ } ، يخاصمون في دينَ اللهِ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : هم اليهود قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبيّنا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم ، فهذه خصومتهم ، { مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } ، أي : استجاب له الناس فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته ، { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } ، خصومتهم باطلة ، { عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } ، في الآخرة . { ٱللهُ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } ، قال قتادة ، ومجاهد ، ومقاتل : سُمي العدل ميزاناً لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية . قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله تعالى بالوفاء ، ونهى عن البَخْس . { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } ، ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي ، ومجازه : الوقت . وقال الكسائي : إتيانها قريب . قال مقاتل : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الساعة وعنده قوم من المشركين ، قالوا تكذيباً : متى تكون الساعة ؟ فأنزل الله هذه الآية { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } ، ظناً منهم أنها غير آتية ، { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ } ، أي : خائفون ، { مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } ، أنها آتية لا ريب فيها ، { أَلآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ } ، يخاصمون ، وقيل : تدخلهم المرية والشك ، { فَى ٱلسَّاعَةِ لَفِى ضَلَـٰلَ بَعِيدٍ } . قوله عزّ وجل { ٱللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حفيٌّ بهم . قال عكرمة : بارٌّ بهم . قال السدي : رفيق . قال مقاتل : لطيف بالبرِّ والفاجر حيث لم يهلكهم جوعاً بمعاصيهم ، يدل عليه : قوله { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 212 ] ، وكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يرزقه . قال جعفر الصادق : اللطف في الرزق من وجهين : أحدهما : أنه جعل رزقك من الطيبات ، والثاني : أنه لم يدفعه إليك بمرة واحدة . { وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ } . { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ } ، الحرث في اللغة : الكسب ، يعني : من كان يريد بعمله الآخرة ، { نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } ، بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة ، { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا } ، يريد بعمله الدنيا ، { نُؤْتِهِ مِنْهَا } ، قال قتادة : أي : نؤته بقدر ما قَسَم الله له ، كما قال : { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] . { وَمَا لَهُ فِى ٱلأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } ، لأنه لم يعمل للآخرة . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين ابن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال ، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن منيع العبدي ، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ، حدثنا سفيان عن المغيرة عن أبي العالية عن أُبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصرة والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب " .