Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-66)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئايَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * فَلَمَّا جَآءَهُم بِـئَايَـٰتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } , استهزاء . { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ ءَايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } ، قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها ، { وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ } ، بالسنين والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم والطمس ، فكانت هذه دلالاتٍ لموسى ، وعذاباً لهم ، فكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها ، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، عن كفرهم . { وَقَالُواْ } ، لموسى لمّا عاينوا العذاب ، { يٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ } ، يا أيها العالم الكامل الحاذق ، وإنما قالوا هذا توقيراً وتعظيماً له ، لأن السحر عندهم كان علماً عظيماً وصفةً ممدوحة ، وقيل : معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره . وقال الزجاج : خاطبوه به لما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر . { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } ، أي بما أخبرتنا من عهده إليك إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله يكشف عنا العذاب ، { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } ، مؤمنون ، فدعى موسى فكشف عنهم فلم يؤمنوا ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } ، ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم . { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ } ، أنهار النيل ، { تَجْرِى مِن تَحْتِىۤ } ، من تحت قصوري ، وقال قتادة : تجري بين يدي في جناني وبساتيني . وقال الحسن : بأمري . { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ، عظمتي وشدة ملكي . { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } ، بل أنا خير ، " أم " بمعنى " بل " وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله : " أم " ، وفيه إضمار ، مجازه : أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال : أنا خير ، { مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } ، ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه . { فَلَوْلآ أُلْقِىَ عَلَيْهِ } ، إن كان صادقاً ، { أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } ، قرأ حفص ويعقوب " أسورة " جمع سوار ، وقرأ الآخرون " أساورة " على جمع الأسورة ، وهي جمع الجمع . قال مجاهد : كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته ، فقال فرعون : هلا ألقى ربُّ موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيداً تجب علينا طاعته . { أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } ، متتابعين يقارن بعضهم بعضاً يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره . قال الله تعالى : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } ، أي استخف فرعون قومه القبط ، أي وجدهم جهالاً ، وقيل : حملهم على الخفة والجهل . يقال استخفه عن رأيه ، إذا حمله على الجهل وأزاله عن الصواب ، { فَأَطَاعُوهُ } ، على تكذيب موسى ، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } . { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا } ، أغضبونا ، { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً } ، قرأ حمزة والكسائي " سُلُفا " بضم السين واللام ، قال الفراء : هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف ، أي تقدم ، وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جمع السالف ، مثل حارس وحرس وخادم وخدم ، وراصد ورصد ، وهما جميعاً الماضُون المتقدمون من الأمم ، يقال : سلف يسلف ، إذا تقدم والسلف من تقدم من الآباء ، فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون . { وَمَثَلاً لِّلأَخِرِينَ } ، عبرة وعظة لمن بقي بعدهم . وقيل : سلفاً لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلاً لمن يجيء بعدهم . { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } , قال ابن عباس وأكثر المفسرين : إن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعرَي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام ، لما نزل قوله عز وجل : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ، وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام . { إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } ، قرأ أهل المدينة والشام والكسائي " يصدون " بضم الصاد ، أي يعرضون ، نظيره قوله تعالى : { يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] ، وقرأ الآخرون بكسر الصاد . واختلفوا في معناه ، قال الكسائي : هما لغتان مثل يعرُشون ويعرِشون ، وشد عليه يَشُدّ ويَشِد ، ونمّ بالحديث يَنُمُّ ويَنِمُّ . وقال ابن عباس : معناه يضجّون . وقال سعيد ابن المسيب : يصيحون . وقال الضحاك : يعجّون . وقال قتادة : يجزعون . وقال القرظي : يضجرون : ولمّا ضُرب ابنُ مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد محمد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى . { وَقَالُوۤاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } ، قال قتادة : " أم هو " يعنون محمداً ، فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا . وقال السدي وابن زيد : " أَمْ هُوَ " يعنون عيسى ، قالوا : يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار ، وقال الله تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ } ، يعني هذا المثل ، { لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } ، خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله : { وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] هؤلاء الأصنام . { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله الحمشادي ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا حجاج بن دينار الواسطي ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضلّ قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أُوتوا الجَدَل " ، ثم قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } . ثم ذكر عيسى فقال : { إِنْ هُوَ } ، ما هو ، يعني عيسى عليه السلام ، { إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } ، بالنبوة ، { وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلاً } آية وعبرة ، { لِّبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ } ، يعرفون به قدرة الله عزّ وجلّ على ما يشاء حيث خلقه من غير أب . { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَـٰئِكَةً } ، أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم ملائكة ، { فِى ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } ، يكونون خلفاء منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني . وقيل : يخلف بعضهم بعضاً . { وَإِنَّهُ } ، يعني عيسى عليه السلام ، { لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } ، يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها ، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة : " وإنه لَعَلمٌ للساعة " ، بفتح اللام والعين أي أَمارة وعلامة . وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لَيُوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، وتهلك في زمانه الملل كلها إلاّ الإسلام " . ويروى : " أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة ، وعليه ممصرتان ، وشعر رأسه دهين ، وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر ، فيتأخر الإِمام فيقدّمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ، ويخرب البِيَع والكنائس ، ويقتل النصارى إلاّ من آمن به " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامُكم منكم " وقال الحسن وجماعة : " وإنه " يعني وإن القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها . ويخبركم بأحوالها وأهوالها ، { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } ، فلا تشكنّ فيها ، قال ابن عباس : لا تكذبوا بها ، { واتَّبِعُونِ } ، على التوحيد ، { هَذَا } ، الذي أنا عليه ، { صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٌ } . { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ } ، لا يصرفنكم ، { ٱلشَّيْطَـٰنُ } ، عن دين الله ، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } . { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } ، بالنبوة ، { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } ، من أحكام التوراة ، قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى . قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإِنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه ، وبيّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه . { فَٱتَّقُواْ ٱللهَ وَأَطِيعُونِ } . { إِنَّ ٱللهَ هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } ، يعني أنها تأتيهم لا محالة فكأنهم ينتظرونها ، { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } ، فجأة ، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .