Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 11-19)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، من اليهود ، { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْ كَانَ } ، دين محمد صلى الله عليه وسلم ، { خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } ، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال قتادة : نزلت في مشركي مكة ، قالوا : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان . وقال الكلبي : الذين كفروا : أسد وغطفان ، قالوا للذين آمنوا يعني : جهينة ومزينة : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا إليه رعاء البهم . قال الله تعالى : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } ، يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } ، كما قالوا أساطير الأولين . { وَمِن قَبْلِهِ } أي ومن قبل القرآن ، { كِتَـٰبُ مُوسَىٰ } ، يعني التوراة ، { إِمَاماً } ، يقتدى به ، { وَرَحْمَةً } ، من الله لمن آمن به ، ونُصِبَا على الحال عن الكسائي ، وقال أبو عبيدة : فيه إضمار ، أي جعلناه إماماً ورحمة ، وفي الكلام محذوف ، تقديره : وتقدمه كتاب موسى إماماً ولم يهتدوا به ، كما قال في الآية الأولى : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } . { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدِّقٌ } ، أي القرآن مصدق للكتب التي قبله ، { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } ، نصب على الحال ، وقيل بلسان عربي ، { لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، يعني مشركي مكة ، قرأ أهل الحجاز والشام ويعقوب : " لتنذر " بالتاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ الآخرون بالياء يعني الكتاب ، { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } ، " وبشرى " في محل الرفع ، أي هذا كتاب مصدق وبشرى . { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . قوله عزّ وجلّ : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } . قرأ أهل الكوفة : " إحساناً " كقوله تعالى : { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ البقرة : 83 ] ، { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } ، يريد شدة الطلق ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " كَرْهاً " بفتح الكاف فيهما ، وقرأ الآخرون بضمهما . { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ } ، فطامه ، وقرأ يعقوب : " وفصله " بغير ألف ، { ثَلاَثُونَ شَهْراً } ، يريد أقل مدة الحمل ، وهي ستة أشهر ، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهراً . وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهراً ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهراً : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } ، نهاية قوته ، وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله : { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } . وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد مضت القصة . وقال الآخرون : نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو ، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو . قال علي بن أبي طالب : الآية نزلت في أبي بكر ، أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره ، أوصاه الله بهما ، ولزم ذلك من بعده . وكان أبوبكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنةَ ، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة ، في تجارة إلى الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ونُبّئ النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه فـ { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىۤ } ، ألهمني ، { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ } ، بالهداية والإيمان ، { وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ } ، قال ابن عباس : وأجابه الله عزّ وجلّ ، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئاً من الخير إلاّ أعانه الله عليه ، ودعا أيضاً فقال : { وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىۤ } ، فأجابه الله ، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعاً ، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعاً ، فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة . قوله : { إِنَّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } ، يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا ، وكلها حسن ، و " الأحسن " بمعنى الحسن ، فيثيبهم عليها ، { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَـٰتِهِمْ } ، فلا نعاقبهم عليها ، قرأ حمزة والكسائي وحفص " نتقبل " " ونتجاوز " بالنون ، " أحسنَ " نصب ، وقرأ الآخرون بالياء ، وضمها " أحسنُ " رفعٌ . { فِىۤ أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ } ، مع أصحاب الجنة ، { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } ، وهو قوله عزّ وجلّ : { وَعَدَ ٱللهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [ التوبة : 72 ] . { وَٱلَّذِى قَالَ لِوَٰلِدَيْهِ } ، إذْ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث ، { أُفٍّ لَّكُمَآ } ، وهي كلمة كراهية ، { أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ } ، من قبري حيّاً ، { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى } ، فلم يبعث منهم أحد ، { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللهَ } ، يستصرخان ويستغيثان الله عليه ، ويقولان له : { وَيْلَكَ ءَامِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ } ، ما هذا الذي تدعواني إليه ، { إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد : نزلت في عبد الله . وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى ، ويقول : أحيُوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عمّا تقولون ، وأنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في عبد الرحمن بن أبي بكر . والصحيح أنها نزلت في كافر عاقٍّ لوالديه ، قاله الحسن وقتادة ، وقال الزجاج : قول من قال إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، يبطله قوله . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } ، الآية ، أعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب ، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب . ومعنى { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } وجب عليهم العذاب ، { فِىۤ أُمَمٍ } ، مع أمم ، { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } . { وَلِكُلٍّ دَرَجَـٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد من سبق إلى الإسلام ، فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة ، وقال مقاتل : ولكل فضائل أعمالهم فيوفيهم الله جزاء أعمالهم . وقيل : " ولكل " يعني ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين " درجات " ، منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم ، فيجازيهم عليها . قال ابن زيد : في هذه الآية : درج أهل النار تذهب سفلاً ، ودرج أهل الجنة تذهب علواً . { وَلِيُوَفِّيَهُمْ } ، قرأ ابن كثير ، وأهل البصرة ، وعاصم : بالياء ، وقرأ الباقون بالنون . { أَعْمَـٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .