Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-6)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ أضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام وصلة الأرحام ، قال الضحاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدائرة عليهم . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } ، قال سفيان الثوري : يعني لم يخالفوه في شيء ، { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وصَدُّواْ } مشركو مكة , { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } الأنصار . { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَـٰتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } ، حالهم ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : عصمهم أيام حياتهم ، يعني أن هذا الإِصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا . { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ } ، الشيطان ، { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } ، يعني القرآن { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } ، أشكالهم ، قال الزجاج : كذلك يبين الله أمثال حسنات المؤمنين ، وإضلال أعمال الكافرين . { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } ، نصبٌ على الإغراء ، أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم . { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } ، بالغتم في القتل وقهرتموهم ، { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } ، يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم ، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل ، كما قال : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] ، { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } ، يعني : بعد أن تأسروهم فإمّا أن تمنّوا عليهم منّاً بإطلاقهم من غير عوض ، وإمّا أن تفادوهم فداء . واختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : هي منسوخة بقوله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] ، وبقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] ، وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج ، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي ، قالوا : لا يجوز المنّ على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء . وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقَّهم أو يمن عليهم ، فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال ، أو بأسارى المسلمين ، وإليه ذهب ابن عمر ، وبه قال الحسن ، وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء ، وهو قول الثوري ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق . قال ابن عباس : لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عزّ وجلّ في الأسارى { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدآءً } . وهذا هو الأصح والاختيار ، لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده : أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال " بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجدٍ فجاءت برجلٍ من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دمٍ ، وإن تُنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ، حتى كان الغد ، فقال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك إن تُنعم تنعم على شاكر ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال سل تعط فتركه حتى كان بعد الغد ، فقال له : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك ، فقال : " أطلقوا ثمامة " ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك ، فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : أَصَبَوْتَ ؟ فقال : لا ، ولكن أسلمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين قال : أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل فأوثقوه ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف . قوله عز وجل : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } ، أي أثقالها وأحمالها ، يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح ، فيمسكوا عن الحرب . وأصل " الوزر " ، ما يحتملُ الإنسانُ ، فسمى الأسلحة أوزاراً لأنها تحمل . وقيل : " الحرب " هم المحاربون ، كالشرب والركب . وقيل : " الأوزار " الآثام ، ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها ، بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله . وقيل : حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ، ومعنى الآية : أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ، ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال ، وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليهما السلام . وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال " . وقال الكلبي : حتى يسلموا أو يسالموا . وقال الفراء : حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالِم . { ذَٰلِكَ } ، الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار ، { وَلَوْ يَشَآءُ اللهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } ، فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال ، { وَلَـٰكِن } ، أمركم بالقتال ، { لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ } ، فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب ، { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللهِ } ، قرأ أهل البصرة وحفص : " قُتلوا " بضم القاف وكسر التاء خفيف ، يعني الشهداء ، وقرأ الآخرون : " قاتلوا " بالألف من المقاتلة ، وهم المجاهدون ، { فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } ، قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أُحد ، وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل . { سَيَهْدِيهِمْ } ، أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور ، وفي الآخرة إلى الدرجات ، { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } ، يرضي خصماءَهم ويقبل أعمالهم . { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْْ } ، أي بيّن لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطؤون ولا يستدلون عليها أحداً كأنهم سكانها منذ خلقوا ، فيكون المؤمن أهدى إلى درجته ، وزوجته وخدمه إلى منزله وأهله في الدنيا ، هذا قول أكثر المفسرين . وروى عطاء عن ابن عباس : { عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي طيبها لهم ، من العَرْف ، وهو الريح الطيبة وطعام معرَّف أي : مطيَّب .