Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-4)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ . { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، اختلفوا في هذا الفتح : روي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس : أنه فتح مكة ، وقال مجاهد : فتح خيبر . والأكثرون على أنه صلح الحديبية . ومعنى الفتح فتح المنغلق ، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذراً حتى فتحه الله عزّ وجلّ . ورواه شعبة عن قتادة عن أنس : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، قال : الحديبية . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ، يوم الحديبية كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبّه فيها فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا . وقال الشعبي في قوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، قال : فتح الحديبية ، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأُطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس . قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم ، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإِسلام . قوله عزّ وجلّ : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، أي قضينا لك قضاءً بيناً . وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح . قيل : اللام في قوله : " ليغفر " لام كي , معناه : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح . وقال الحسين ابن الفضل : هو مردود إلى قوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ محمد : 19 ] . { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } ، و { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } الآية . وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } [ النصر : 1 - 3 ] ، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة ، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة . وقيل : " ما تأخر " مما يكون ، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء . وقال سفيان الثوري : " ما تقدم " ممّا عملت في الجاهلية ، " وما تأخر " كل شيء لم تعمله ، ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد ، كما يقال أعطى من رآه ولم يره ، وضرب من لقيه ومن لم يلقه . وقال عطاء الخراساني : { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } : يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك ، { وَمَا تَأَخَّرَ } ذنوب أمتك بدعوتك . { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } ، بالنبوة والحكمة ، { وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } ، أي يثبتك عليه ، والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام . وقيل : ويهديك أي يهدي بك . { وَيَنصُرَكَ ٱللهُ نَصْراً عَزِيزاً } غالباً . وقيل : معزاً . { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } ، الطمأنينة والوقار ، { فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم ، قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في سورة البقرة ، { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَـٰناً مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ } . قال ابن عباس : بعث الله رسوله بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدَّقوه زادهم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الجهاد ، حتى أكمل لهم دينهم ، فكلما أُمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقاً إلى تصديقهم . وقال الضحاك : يقيناً مع يقينهم . قال الكلبي : هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق . { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللهُ عَزِيزاً حَكِيماً } .