Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 8-10)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَضْلاً } ، أي كان هذا فضلاً ، { مِّنَ ٱللهِ وَنِعْمَةً وَٱللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . قوله عزّ وجلّ : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } ، الآية . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا مسدد ، حدثنا معتمر قال سمعت أبي يقول : إن أنساً قال : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أتيتَ عبد الله بن أُبي ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون معه ، وهي أرض سبخة ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار رسول الله أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه فتشاتما ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } " . ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاصطلحوا وكفَّ بعضهم عن بعض . وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حقٍ بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذنّ حقي منك عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال ، ولم يكن قتال بالسيوف . وقال سفيان عن السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد تحت رجل ، وكان بينها وبين زوجها شيء فرقى بها إلى عُلية وحبسها ، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا ، وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنعال ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرضا بما فيه لهما وعليهما ، { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا } ، تعدت إحداهما ، { عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } ، وأبت الإِجابة إلى حكم كتاب الله ، { فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىۤءَ } ، ترجع ، { إِلَىٰ أَمْرِ ٱللهِ } ، في كتابه { فَإِن فَآءَتْ } ، رجعت إلى الحق ، { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِـٱلْعَدْلِ } ، بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم الله ، { وَأَقْسِطُوۤاْ } ، اعدلوا ، { إِنَّ ٱللهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } . { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ، في الدين والولاية ، { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } ، إذا اختلفا واقتتلا ، قرأ يعقوب " بين إخْوتكم " بالتاء على الجمع ، { وَٱتَّقُواْ ٱللهَ } ، فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره ، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كُرْبةً فرّج الله بها عنه كربةً من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " . وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإِيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل - وهو القدوة - في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ فقال : لا ، مِنَ الشرك فرّوا ، فقيل : أمنافقون هم ؟ فقال : لا ، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، قيل : فما حالهم ؟ قال : إخواننا بغَوْا علينا . والباغي في الشرع هو الخارج على الإِمام العدل ، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإِمام العدل بتأويل محتمل ، ونصبوا إماماً فالحكم فيهم أن يبعث الإِمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته ، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم ، وإن لم يذكروا مظلمة ، وأصروا على بغيهم ، قاتلهم الإِمام حتى يفيئوا إلى طاعته ، ثم الحكم في قتالهم أن لا يتّبع مُدْبِرُهم ولا يقتل أسيرهم ، ولا يذفف على جريحهم ، نادى منادي علي رضي الله عنه يوم الجمل : ألا لا يُتّبع مدبر ولا يُذفّف على جريح . وأتي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له : لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين . وما أتلفتْ إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه . قال ابن شهاب : كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول ، وأتلف فيها أموال كثيرة ، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم ، وجرى الحكم عليهم فما علمتُه اقتصّ من أحد ولا أغرم مالاً أتلفه . أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم ، أو لم يكن لهم تأويل ، أو لم ينصبوا إماماً فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالاً أو لم يتعرضوا للمسلمين ، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق . رُوي أن علياً رضي الله عنه سمعَ رجلاً يقول في ناحية المسجد : لا حكم إلا لله تعالى ، فقال علي : كلمة حق أُريدَ بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم من مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال .