Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 113-115)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ نُرِيدُ } أي : إنّما سألنا لأنّا نُريد ، { أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } ، أكل تبرك لا أكل حاجة فنستيقن قدرته ، { وَتَطْمَئِنَّ } ، تسكن ، { قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } ، بأنّك رسول الله ، أي : نزداد إيماناً ويقيناً ، وقيل إن عيسى عليه السلام أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوماً ، فإذا أفطروا لا يسألون الله شيئاً إلاّ أعطاهم ، ففعلوا وسألوا المائدة ، وقالوا : " ونعلم أن قد صدقتنا " في قولك ، إنا إذا صمنا ثلاثين يوماً لا نسأل الله تعالىٰ شيئاً إلاّ أعطانا ، { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } ، لله بالوحدانية والقدرة ، ولك بالنبوة والرسالة ، وقيل : ونكون من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم . { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، عند ذلك ، { ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، وقيل : إنه اغتسل ولبس المسح وصلّى ركعتين وطأطأ رأسه وغضّ بصره وبكى ، ثم قال : اللهم ربَّنا أنزل علينا مائدةً من السماء ، { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } ، أي : عائدة من الله علينا حجّة وبرهاناً ، والعيد : يوم السرور ، وسمّي به للعود من الترح إلى الفرح ، وهو اسم لما اعتدته ويعود إليك ، وسمي يوم الفطر والأضحى عيداً لأنهما يعودان في كل سنة ، قال السدي : معناه نتخذ اليوم الذي أنزلتْ فيه عيداً لأوّلنا وآخرنا ، أي : نعظمه نحن ومن بعدنا ، وقال سفيان : نصلّي فيه ، قوله : { لأوّلنا } ، أي : لأهل زماننا { وآخرنا } ، أي : لمن يجيء بعدنا ، وقال ابن عباس : يأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم ، { وَءَايَةً مِّنْكَ } ، دلالة وحجة ، { وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } . { وَقَالَ ٱللَّهُ } تعالىٰ مجيباً لعيسى عليه السلام ، { إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } ، يعني : المائدة وقرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم " منزّلها " بالتشديد لأنها نزلت مرات ، والتفعيل يدلّ على التكرير مرة بعد أخرى وقرأ الآخرون بالتخفيف لقوله أنزل علينا ، { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } ، أي : بعد نزول المائدة { فَإِنِّىۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً } ، أي : جنس عذاب ، { لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، يعني : عالمي زمانه ، فجحد القوم وكفروا بعد نزول المائدة فَمُسِخُوا قردة وخنازير ، قال عبدالله بن عمرو : إنّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون . واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا ؟ فقال مجاهد والحسن : لم تنزل لأن الله عزّ وجلّ لمّا أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا ، وقالوا : لا نريدها ، فلم تنزل ، وقوله : " إني منزلها عليكم " ، يعني : إن سألتم . والصحيح الذي عليه الأكثرون أنها نزلت ؛ لقوله تعالى : " إني منزّلها عليكم " ، ولا خُلْفَ في خبره ، لتواتر الأخبار فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين . واختلفوا في صفتها فرَوى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت خبزاً ولحماً ، وقيل لهم : إنها مقيمة لكم ما لم تخونوا [ وتخبؤوا ] فما مضى يومهم حتى خانوا وخبؤوا فمسخوا قردة وخنازير . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن عيسى عليه السلام قال لهم : صُومُوا ثلاثين يوماً ثم سلوا الله ما شئتُم يعطكموه ، فصامُوا فلما فرغوا قالوا : يا عيسى إنّا لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا ، وسألوا الله المائدة فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم . قال كعب الأحبار : نزلت [ مائدة ] منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض ، عليها كل الطعام إلاّ اللحم . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : أُنزل على المائدة كل شيء إلاّ الخبز واللحم ، قال قتادة : كان عليها ثمر من ثمار الجنّة . وقال عطية العوفي : نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء . وقال الكلبي : كان عليها خبز ورز وبقل . وقال وهب بن منبه : أنزل الله أقرصة من شعير وحيتاناً وكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون حتى أكل جميعهم وفضل . وعن الكلبي ومقاتل : أنزل الله خبزاً وسمكاً وخمسة أرغفة ، فأكلوا ما شاء الله تعالى ، والناس ألف ونيف فلمّا رجعوا إلى قراهم ، ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد ، وقالوا : ويحكم إنما سحر أعينكم ، فمن أراد الله به الخير ثبّته على بصيرته ، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره ، فمسخوا خنازير ليس فيهم صبي ولا امرأة ، فمكثوا بذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ، ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا ، وكذلك كل ممسوخ . وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة وعشياً حيث كانوا كالمنِّ والسلوى لبني إسرائيل ، وقال عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي : لما سأل الحواريون المائدة لبس عيسى عليه السلام صوفاً وبكى ، وقال : " اللهم أنزل علينا مائدة من السماء " الآية فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها ، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى ، وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ، واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحاً أطيب من ريحه ، فقال عيسى عليه السلام : ليقم أحسنكم عملاً فيكشف عنها ويذكر اسم الله تعالى ، فقال شمعون الصفار رأس الحواريين : أنت أولى بذلك منّا [ فقام عيسى عليه السلام ] فتوضّأ وصلّى صلاة طويلة وبكى كثيراً ، ثم كشف المنديل عنها ، وقال : بسم الله خير الرازقين فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوسها ولا شوك عليها تسيل من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل ، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد ، فقال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟ فقال : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله ، قالوا : يا روح الله كن أول من يأكل منها ، فقال عيسى عليه السلام : معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها عيسى أهل الفاقة والمرضى وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين ، فقال : كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء ، فأكلوا وصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير ومريض وزَمِن ومُبتلى كلهم شبعان ، وإذ السمكة بهيئتها حين نزلت ، ثم طارت سفرة المائدة صعداً وهم ينظرون إليها حتى توارت بالحجاب ، فلم يأكل منها زَمِنٌ ولا مريض ولا مبتلى إلا عُوفي ولا فقير إلاّ استغنى ، وندم من لم يأكل منها فلبثت أربعين صباحاً تنزل ضحى ، فإذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء ، ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صعداً وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم ، وكانت تنزل غباً تنزل يوماً ولا تنزل يوماً كناقة ثمود ، فأوحى الله تعالى [ إلى عيسى عليه السلام ] : اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء ، فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكّوا وشكّكُوا الناسَ فيها ، وقالوا : أترون المائدة حقاً تنزل من السماء ؟ فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام : إني شرطت أنّ من كفر بعد نزولها عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، فقال عيسى عليه السلام : ( إِنْ تعذّبهم فإنهم عبادك وإن تغفرْ لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم ) ، فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلاً باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكنّاسات ، ويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا ، فلما أبصرت الخنازير عيسى عليه السلام بكت وجعلت تطيف بعيسى عليه السلام وجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برءوسهم ويبكون ولا يقدرون على الكلام ، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا .