Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 103-105)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وأمّا قوله : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } فاعلم أن الإدراك غير الرؤية لأن الإدراك هو : الوقوف على كُنهِ الشيء والإحاطة به والرؤية : المعاينة ، وقد تكون الرؤية بلا إدراك ، قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام : { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ } [ الشعراء : 61 - 62 ] ، وقال : { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [ طه : 77 ] ، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية ، فالله عزّ وجلّ يجوز أن يُرى من غير إدراك وإحاطة كما يُعرف في الدنيا ولا يُحاط به ، قال الله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] ، فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم ، قال سعيد بن المسيَّب : لا تُحيط به الأبصار ، وقال عطاء : كلّتْ أبصار المخلوقين عن الإحاطة به ، وقال ابن عباس ومقاتل : لا تُدركه الأبصار في الدنيا ، وهو يُرى في الآخرة ، قوله : { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } ، لا يخفَى على الله شيء ولا يفوته ، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : اللطيف بأوليائه [ الخبير بهم ، وقال الأزهري : معنى { اللطيف } ] الرفيق بعباده ، وقيل : اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق ، وقيل : اللطيف الذي يُنسي العبادَ ذنوبَهم لئلا يخجلوا ، وأصل اللطف دقّة النظر في الأشياء . قوله عزّ وجلّ : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } ، يعني : الحجج البيّنة التي تبصرون بها الهُدى من الضلالة والحق من الباطل ، { فَمَنْ أَبْصَرَ فلِنَفْسِه } ، أي : فمن عرفها وآمن بها فلنفْسِهِ عَمِلَ ، ونفعُه له ، { وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا } ، أي : من عمي عنها فلم يعرفها ولم يصدقها فعليها ، أي : فبنفسه ضرَّ ، ووبال العمى عليه ، { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } ، برقيب أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسول أبلغكم رسالاتِ ربي وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم . { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلأَيَـٰتِ } ، نفصّلها ونبيّنها في كل وجه ، { وَلِيَقُولُواْ } ، قيل : معناه لئلا يقولوا ، { دَرَسْتَ } ، وقيل : هذه اللام لام العاقبة أي عاقبة أمرهم أن يقولوا : { دَرَسْتَ } ، أي : قرأت على غيرك ، وقيل : قرأت كتب أهل الكتاب ؛ كقوله تعالى : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] ، ومعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك ، ولكن أراد أن عاقبة أمرهم أن كان عدواً لهم . قال ابن عباس : وليقولوا يعني : أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن درستَ ، أي : تعلمتَ من يسار وجبر , كانا عبدين من سبي الروم ، ثم قرأتَ علينا تزعم أنه من عند الله ، من قولهم : درست الكتاب أدْرس درساً ودراسة . وقال الفراء : يقولون : تعلّمت من يهود ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : " دارست " ، بالألف [ أي : قارأتَ أهل الكتاب من المدارسة بين اثنين تقول : ] قرأت عليهم وقرؤوا عليك ، وقرأ ابن عامر ويعقوب : " دَرَسَتْ " بفتح السين وسكون التاء ، أي : هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة ، قد درست وانمحت ، من قولهم : درس الأثر يدرس دروساً . { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، قال ابن عباس : يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ، وقيل : يعني أن تصريف الآيات ليشقى به قوم ويسعد به آخرون ، فمن قال درست فهو شقي ، ومن تبيّن له الحق فهو سعيد