Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 31-33)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } ، أي : خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى الله بالبعث بعد الموت ، { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ } ، أي : القيامة { بَغْتَةً } ، أي : فجأة ، { قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا } ، ندامَتَنَا ، [ ذُكر ] على وجه النداء للمبالغة ، وقال سيبويه : كأنه يقول : أيتها الحسرة هذا أوانك ، { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } ، أي : قصّرنا ، { فِيهَا } ، أي : في الطاعة ، وقيل : تركنا في الدنيا من عمل الآخرة . وقال محمد بن جرير : الهاء راجعة إلى الصفقة ، وذلك أنه لمّا تبيّن لهم خسران صفقتهم ببيعهم الآخرة بالدنيا قالوا : يا حسرتَنَا على ما فرطنا فيها ، أي : في الصفقة ، [ فترك ذكر الصفقة ] اكتفاءً بقوله : { قَدْ خَسِرَ } ، لأن الخسران إنما يكون في صفقة بيع ، والحسرة شدة الندم ، حتى يتحسر النادم ، كما يتحسر الذي تقوم به دابته في السفر البعيد ، { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } ، أثقالهم وآثامهم ، { عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } ، قال السدي وغيره : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورةً وأطيبه ريحاً ، فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا عملك الصالح فاركبني ، فقد طالما ركبتك في الدنيا ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [ مريم : 85 ] ، أي : ركباناً ، وأمّا الكافر فيستقبله أقبح شيء صورةً وأنتنه ريحاً ، فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا فيقول أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك ، فهو معنى قوله : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } ، { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } ، يحملون ، قال ابنُ عباس : أي بئس الحمل حملوا . { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } ، باطل وغُرور لا بقاء لها ، { وَلَلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } ، قرأ ابن عامر { ولدار الآخرة } مضافاً أضاف الدار إلى الآخرة ، ويضاف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين ؛ كقوله : ( وحب الحصيد ) ، وقولهم : ربيع الأول ومسجد الجامع ، سُمّيت الدنيا لدنوها ، وقيل : لدناءتها ، وسُميت الآخرة لأنها بعد الدنيا ، { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الشرك ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، أن الآخرة أفضل من الدنيا ، قرأ أهل المدينة وابن عامر ويعقوب ( أفلا تعقلون ) ، بالتاء ها هنا وفي الأعراف وسورة يوسف ويس ، ووافق أبو بكر في سورة يوسف ، ووافق حفص إلا في سورة يس ، وقرأ الآخرون بالياء فيهن . قوله عزّ وجلّ : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ } قال السُّديّ : التقى الأخْنَسُ بن شُرَيْق وأبو جهل بن هشام ، قال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس ها هنا أحد يسمع كلامك غيري ، فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية . وقال ناجية بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : لا نتهمك ولا نكذبك ، ولكنّا نكذب الذي جئت به ، فأنزل الله تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ } ، بأنك كاذب ، { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } ، قرأ نافع والكسائي بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد من التكذيب ، فالتكذيب هو أن تنسبه إلى الكذب ، وتقول له : كذبت ، والإكذاب هو أن تجده كاذباً ، تقول العرب : أجدبت الأرض وأخصبتها إذا وجدتها جدبة ومخصبة ، { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ، يقول : إنهم لا يكذبونك في السرّ لأنهم عرفوا صدقك فيما مضى ، وإنّما يكذِّبون وَحْيي ويجحدون آياتي ، كما قال : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] .