Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-3)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } نادى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم خاطب أمته , لأنه السيد المقدَّم ، فخطاب الجميع معه . وقيل : مجازه : يا أيها النبيّ قل لأمتك " إذا طلقتم النساء " : إذا أردتم تطليقهن ، كقوله عزّ وجلّ : { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة . { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدّتِهِن } ، أي لطهرهن بالذي يحصينه من عدتهن . وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن : " فطلقوهن في قُبُلِ عدتهن " . نزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر كان قد طلق امرأته في حال الحيض . أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه , أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي , أخبرنا أبو مصعب , عن مالك , عن نافع , عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمرُ بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : مُرْهُ فَلْيراجِعْها ، ثم ليمسكها حتى تطهر , ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بَعْدُ ، وإن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء . ورواه سالم عن ابن عمر قال : " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً " . ورواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر , ولم يقولا : ثم تحيض ثم تطهر . أخبرنا عبد الوهّاب بن محمد الخطيب , أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال , أخبرنا أبو العباس الأصم , أخبرنا الربيع , أخبرنا الشافعي , أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم , عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر - وأبو الزبير يسمع - فقال : كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً ؟ فقال ابن عمر : " طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضاً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك » " ، قال ابن عمر : وقال الله عزّ وجلّ : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن " الشافعي يشك . ورواه حجاج بن محمد عن ابن جريج . وقال : قال ابن عمر : وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن . اعلم أن الطلاق في حال الحيض والنفاس بدعة ، وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن شاء طلق قبل أن يمسّ " والطلاق السني : أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه . وهذا في حق امرأة تلزمها العدة بالأقراء . فأما إذا طلَّق غيرَ المدخول بها في حال الحيض , أو طلق الصغيرة التي لم تحض قط , أو الآيسة بعدما جامعها ، أو طلق الحامل بعد ما جامعها ، أو في حال رؤية الدم , لا يكون بدعياً . ولا سنة ولا بدعة في طلاق هؤلاء , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً " . والخلع في حال الحيض أو في طهر جامعها [ فيه ] لا يكون بدعياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لثابت بن قيس في مخالعة زوجته من غير أن يعرف حالها ، ولولا جوازه في جميع الأحوال لأشبه أن يتعرف الحال . ولو طلق امرأته في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه قصداً يعصي الله تعالى , ولكن يقع الطلاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لكان لا يأمر بالمراجعة ، وإذا راجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس , كما رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر . وما رواه نافع عن ابن عمر : " ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر " فاستحبابٌ , استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا يكون مراجعته إيّاها للطلاق , كما يكره النكاح للطلاق . ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث , عند بعض أهل العلم ، حتى لو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثاً لا يكون بدعياً ، وهو قول الشافعي وأحمد . وذهب بعضهم إلى أنه بدعة , وهو قول مالك وأصحاب الرأي . قوله عزّ وجلّ : { وَأَحْصُواْ العِدَّةَ } ، أي عدد أقرائها , احفظوها ، قيل : أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً . وقيل : للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنّ } ، أراد به إذا كان المسكن الذي طلقها فيه للزوج لا يجوز له أن يخرجها منه ، { وَلاَ يَخْرُجْنَ } ، ولا يجوز لها أن تخرج ما لم تنقض عدتها فإن خرجت لغير ضرورة أو حاجة أَثِمَتْ ، فإن وقعت ضرورة - وإن خافت هدماً أو غرقاً - لها أن تخرج إلى منزل آخر ، وكذلك إن كانت لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن فيجوز لها الخروج نهاراً ولا يجوز ليلاً فإنَّ رجالاً استُشْهِدوا بأحد فقالت نساؤهم : نستوحش في بيوتنا ، فأذن لهنّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن ، فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها , وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لخالة جابر حين طلقها زوجها أن تخرج لجذاذ نخلها . وإذا لزمتها العِدَّة في السفر تعتد ذاهبة وجائية ، والبدوية تتبوّأ حيث يتبوأ أهلها في العدة ، لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم . قوله : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَـٰحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } ، قال ابن عباس : " الفاحشة المبينة " : أن تبدو على أهل زوجها ، فيحل إخراجها . وقال جماعة : أراد بالفاحشة : أن تزني , فتخرج لإقامة الحد عليها ، ثم ترد إلى منزلها ، يروى ذلك عن ابن مسعود . وقال قتادة : معناه إلا أن يطلقها على نشوزها , فلها أن تتحول من بيت زوجها والفاحشة : النشوز . وقال ابن عمر , والسدي : خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة . { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } ، يعني : ما ذكر من سنة الطلاق وما بعدها ، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمراً } ، يوقع في قلب الزوج مراجعتها بعد الطلقة والطلقتين ، وهذا يدل على أن المستحب أن يفرق الطلقات ، ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة , حتى إذا ندم أمكنه المراجعة . { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } ، أي قربن من انقضاء عدتهن ، { فأمسِكوهنَّ } ، أي راجعوهنّ ، { بِمَعْرُوفٍ أوْ فَارِقُوهنّ بمَعْرُوفٍ } ، أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فتبين منكم ، { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُم } ، على الرجعة والفراق . أمر بالإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق . { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ } ، أيها الشهود { لِلَّهِ } . { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } , قال عكرمة والشعبي والضحاك : ومن يتق الله فيطلق للسنة يجعل له مخرجاً إلى الرجعة . وأكثر المفسرين قالوا : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي , أسر المشركون ابناً له يسمى مالكاً فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أسر العدو ابني , وشكا إليه أيضاً الفاقة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اتق الله واصبرْ وأكْثِرْ من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله " ، ففعل الرجل [ ذلك ] فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو ، فأصاب إبلاً وجاء بها إلى أبيه . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : فغفل عنه العدو , فاستاق غنمهم ، فجاء بها إلى أبيه ، وهي أربعة آلاف شاة . فنزلت : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } في ابنه . { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } ، ما ساق من الغنم . وقال مقاتل : أصاب غنماً ومتاعاً ثم رجع إلى أبيه , فانطلق أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر ، وسأله : أيحلُّ له أن يأكل ما أتى به ابنه ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ، وأنزل الله هذه الآية . قال ابن مسعود : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } هو أن يعلم أنه من قِبَلِ الله وأن الله رازقه . وقال الربيع بن خثيم : { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } من كل شيء ضاق على الناس . وقال أبو العالية : " مخرجاً " من كل شدة . وقال الحسن : " مخرجاً " عما نهاه عنه . { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ، يتق الله فيما نابه كفاه ما أهمه . وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أنكم تتوكلون على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " . { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أمْرِهِ } ، قرأ طلحة بن مصرِّف , وحفص عن عاصم : { بَـالِغُ أمرِهِ } بالإضافة ، وقرأ الآخرون " بالغٌ " بالتنوين " أمرَه " نصب ، أي منفذ أمره , مُمْضٍ في خلقه قضاءَه . { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } ، أي جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ينتهي إليه . قال مسروق : في هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أمْرِهِ } ، توكل عليه أو لم يتوكل ، غير أن المتوكل عليه يكفِّر عنه سيئاته ويعظم له أجراً .