Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 5-6)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذَلِكَ } ، يعني ما ذكر من الأحكام ، { أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَـٰتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } . { أَسْكِنُوهُنَّ } ، يعني مطلقات نسائكم { مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } ، " مِنْ " صلة , أي : أسكنوهن حيث سكنتم ، { مِّن وُجْدِكُمْ } ، يعني سعتكم وطاقتكم , يعني : إن كان موسراً يوسع عليها في المسكن والنفقة ، وإن كان فقيراً فعلى قدر الطاقة ، { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ } ، لا تؤذوهن ، { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيهِن } ، مساكنهن فيخرجن ، { وَإِن كُنَّ أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ } ، فيخرجن من عدتهن . اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة . ونعني بالسكنى : مؤنة السكنى , فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكاً للزوج يجب على الزوج أن يخرج ويترك الدار لها مدة عدتها ، وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة , وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكتري لها داراً تسكنها . فأما المعتدة البائنة بالخلع أو بالطلقات الثلاث أو باللعان , فلها السكنى , حاملاً كانت أو حائلاً , عند أكثر أهل العلم . روي عن ابن عباس أنه قال : لا سكنى لها إلا أن تكون حاملاً وهو قول الحسن وعطاء والشعبي . واختلفوا في نفقتها : فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملاً . روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن , وعطاء , والشعبي ، وبه قال الشافعي , وأحمد . ومنهم من أوجبها بكل حال , روي ذلك عن ابن مسعود ، وهو قول إبراهيم النخعي , وبه قال الثوري وأصحاب الرأي . وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق إلا أن تكون حاملا , ً لأن الله تعالى قال : { وَإِن كُنَّ أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيهِن } . والدليل عليه من جهة السنة ما : أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي , أخبرنا زاهر بن أحمد , أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي , أخبرنا أبو مصعب , عن مالك , عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان , عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن فاطمة بنت قيس , " أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها الْبَتَّةَ , وهو غائب بالشام , فأرسل إليها وكيلُه بشعير فَسَخِطَتْهُ ، فقال : واللهِ مالك علينا من شيءٍ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتْ ذلك له ، فقال لها : ليس لك عليه نفقة ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شَرِيكٍ ، ثم قال : تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي فاعتدِّي عند ابن أم مكتوم , فإنه رجل أعمى , تضعين ثيابك , فإذا حللتِ فآذِنِينِي قالت : فلما حَلَلْتُ ذكرتُ له أنَّ معاويةَ بنَ أبي سفيان وأبا جهم خطباني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصُعْلُوكٌ لا مال له , انكحي أسامة بن زيد , قالت : فَكَرِهْتُه ، ثم قال : انكحي أسامة , فنكحتُه فجعلَ الله فيه خيراً واغتبطتُ به " . واحتج من لم يجعل لها السكنى بحديث فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت عمر بن أم مكتوم . ولا حجة فيه , لما روي عن عائشة أنها قالت : كانت فاطمة في مكانٍ وَحْشٍ , فخيف على ناحيتها . وقال سعيد بن المسيب : إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها , وكانت للسانها ذرابة . أما المعتدة عن وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملاً . والمعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها حاملاً كانت أو حائلاً , عند أكثر أهل العلم , وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أن لها النفقة , إن كانت حاملاً , من التركة حتى تضع ، وهو قول شريح , والشعبي , والنخعي , والثوري . واختلفوا في سكناها , وللشافعي رضي الله عنه فيه قولان : أحدهما لا سكنى لها , بل تعتد حيث تشاء ، وهو قول علي , وابن عباس , وعائشة . وبه قال عطاء , والحسن , وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه . والثاني : لها السكنى وهو قول عمر , وعثمان , وعبد الله بن مسعود , وعبد الله بن عمر ، وبه قال مالك , وسفيان الثوري , وأحمد , وإسحاق . واحتج من أوجب لها السكنى بما : أخبرنا أبو الحسن السرخسي , أخبرنا زاهر بن أحمد , أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي , أخبرنا أبو مصعب عن مالك , عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة , عن عمته زينب بنت كعب : أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها : " أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة , فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم ، فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً . قالت : فلما كان عثمان أرسل إليّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به " . فمن قال بهذا القول قال : إِذْنُهُ لفريعة أولاً بالرجوع إلى أهلها صار منسوخاً بقوله آخراً : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " . ومن لم يوجب السكنى قال : أمرها بالمكث في بيتها آخراً استحباباً لا وجوباً . قوله عزّ وجلّ : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } ، أي أرضعن أولادكم ، { فَـآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، على إرضاعهن ، { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } ، ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف ، قال الكسائي : شاوروا ، قال مقاتل : بتراضي الأب والأم على أجر مسمى ، والخطاب للزوجين جميعاً , يأمرهم أن يأتوا بالمعروف وبما هو الأحسن , ولا يقصدوا الضرار ، { وَإِن تَعَاسَرْتُم } ، في الرضاع والأجرة فأبى الزوج أن يعطي المرأة رضاها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه ، ولكنه يستأجر للصبي مرضعاً غير أمه وذلك قوله : { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } .