Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 9-12)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَٰزِينُهُ فَأُوْلَـٰۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَـٰتِنَا يَظْلِمُونَ } ، يجحدون ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين حضره الموت في وصيّته لعمر رضي الله عنه : إنّما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحق في الدنيا ، وثقله عليهم ، وحُقَّ لميزانٍ يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً ، وإنما خفتْ موازينُ من خفتْ موازينُه يومَ القيامة باتّباعهم الباطلَ في الدنيا ، وخفته عليهم حق لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً . فإن قيل : قد قال : " من ثقلت موازينه " ذكر بلفظ الجمع ، والميزان واحد ، قيل : يجوز أن يكون لفظه جمعاً ومعناه واحد ؛ كقوله : " يا أيها الرسل " ، وقيل : لكل عبد ميزان ، وقيل : الأصل ميزان واحد عظيم ولكل عبد فيه ميزان معلق به ، وقيل : جَمَعَهُ : لأن الميزان يشتمل على الكفتين والشاهدين واللسان ، ولا يتم الوزن إلا باجتماعهما . قوله تعالى : { وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي : مكنّاكم والمراد من التمكين التمليك والقدرة ، { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ } ، أي : أسباباً تعيشون بها أيام حياتكم من التجارات والمكاسب والمآكل والمشارب والمعايش جمع المعيشة ، { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } ، فيما صنعتُ إليكم . قوله عزّ وجلّ : { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } ، قال ابن عباس : خلقناكم ، أي : أصُولكم وآباءَكم ثم صوّرناكم في أرحام أمهاتكم ، وقال قتادة والضحاك والسدي : أمّا " خلقناكم " فآدم ، وأمّا " صوّرناكم " فذريته . وقال مجاهد في خلقناكم آدم ، ثم صوّرناكم في ظهر آدم بلفظ الجمع ، لأنه أبو البشر ففي خلقه خلق من يخرج من صلبه ، وقيل : خلقناكم في ظهر آدم ثم صوّرناكم يوم الميثاق حين أخرجكم كالذر . وقال عكرمة : خلقناكم في أصلاب الرجال وصوّرناكم في أرحام النساء . وقال يمان : خلق الإنسان في الرحم ثم صوّره وشقّ سمعَه وبصَره وأصابعه . وقيل : الكل آدم خلقه وصوّره و " ثم " بمعنى الواو . { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } ، فإن قيل : الأمر بسجود الملائكة كان قبل خلق بني آدم ، فما وجه قوله : " ثمّ قلنا " ، وثم للترتيب والتراخي ؟ قيل : على قول من يصرف الخلق والتصوير إلى آدم وحده يستقيم الكلام إما على قول من يصرفه إلى الذرية فعنه أجوبة : أحدها " ثم " بمعنى الواو ، أي : وقلنا للملائكة ، فلا يكون للترتيب والتعقيب . وقيل : أراد " ثم " أخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا . وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره ولقد خلقناكم ، يعني : آدم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صوّرناكم . قوله تعالى : { فَسَجَدُوۤاْ } ، يعني : الملائكة ، { إِلاَ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } ، لآدم . { قَالَ } الله تعالى : يا إبليس { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } ، أي : ولم منعك أن تسجد و " لا " زائدة كقوله تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] . { قال } إبليس مجيباً { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } لأنك { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ، والنار خير وأنور من الطين . قال ابن عباس : أول من قاس إبليس فأخطأ القياس ، فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله مع إبليس . قال ابن سيرين : ما عُبِدَتِ الشمسُ إلا بالقياس . قال محمد بن جرير : ظن الخبيث أن النار خير من الطين ولم يعلم أن الفضل لمن جعل الله له الفضل ، وقد فضل الله الطين على النار من وجوه منها : أنّ من جوهر الطين الرزانة والوقار والحلم والصبر وهو الداعي لآدم بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع فأورثه الاجتباء والتوبة والهداية ، ومن جوهر النار الخفة والطيش والجرأة والارتفاع وهو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار ، فأورثه اللعنة والشقاوة ، ولأن الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفرّقها ولأن التراب سبب الحياة ، فإنّ حياة الأشجار والنبات به ، والنار سبب الهلاك .