Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 20-40)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } ، عن وجه الأرض ، { فَكَانَتْ سَرَاباً } , أي هباءً منبثاً لعين الناظر كالسراب . { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } , طريقاً وممراً فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار . وقيل : " كانت مرصاداً " أي : معدة لهم ، يقال : أرصدت له الشيء إذا أعددته له . وقيل : هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته . " والمرصاد " : المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو . وقوله : { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } ، أي ترصد الكفار . وروى مقسم عن ابن عباس : أن على جسر جهنم سبعة محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله , فإن أجابها تامة جاز إلى الثاني ، فيسأل عن الصلاة , فإن أجابها تامة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة , فإن أجابها تامة جاز إلى الرابع ، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس ، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس ، فيسأل عن العمرة فإن أجابها تامة جاز إلى السابع ، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال : انظروا فإن كان له تطوع أكمل بها أعماله ، فإذا فرغ منه انطلق به إلى الجنة . { لِّلطَّاغِينَ } ، للكافرين ، { مَآباً } ، مرجعاً يرجعون إليه . { لَّـٰبِثِينَ } ، قرأ حمزة ويعقوب : " لَبِثيْنَ " بغير ألف ، وقرأ العامة : " لابثين " بالألف وهما لغتان . { فِيهَآ أَحْقَاباً } ، جمع حُقب ، والحُقب الواحد : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهراً ، كل شهر ثلاثون يوماً ، كل يوم ألف سنة . روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقال مجاهد : " الأحقاب " ثلاثة وأربعون حقباً ، كل حقب سبعون خريفاً ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً ، وكل يوم ألف سنة . قال الحسن : إن الله لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : { لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحْقاباً } فوالله ما هو إلا إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود . روى السدي عن مُرَّة عن عبد الله قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا . وقال مقاتل بن حيان : الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة . قال : وهذه الآية منسوخة نسختها { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عذاباً } يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل . { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } ، رُوي عن ابن عباس : أن البرد النوم ، ومثله قال الكسائي و قال أبو عبيدة ، تقول العرب : منع البردُ البردَ أي أذهب البرد النوم . وقال الحسن وعطاء : { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً } أي : روحاً وراحة . وقال مقاتل : { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً } ينفعهم من حر , { وَلاَ شَرَاباً } ينفعهم من عطش . { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } ، قال ابن عباس : " الغساق " الزمهرير يحرقهم ببرده . وقيل : صديد أهل النار ، وقد ذكرناه في سورة " ص " . { جَزَآءً وِفَـٰقاً } ، أي جزيناهم جزاء وافق أعمالهم . وقال مقاتل : وافق العذاب الذنب , فلا ذنب أعظم من الشرك , ولا عذاب أعظم من النار . { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } ، لا يخافون أن يحاسبوا ، والمعنى : أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم محاسبون . { وَكَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا } ، أي بما جاءت به الأنبياء ، { كِذَّاباً } ، يعني تكذيباً ، قال الفراء : هي لغة يمانية فصيحة ، يقولون في مصدر التفعيل فِعَّال وقال : قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني : الحلق أحب إليك أم القِصَّار ؟ . { وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ كِتَـٰباً } ، أي وكل شيء من الأعمال بيَّناه في اللوح المحفوظ ، كقوله : { وَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ فِىۤ إمامٍ مُبِين } [ يس : 12 ] . { فَذُوقُواْ } ، أي يقال لهم : فذوقوا ، { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } . قوله عزّ وجلّ : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } ، فوزاً ونجاةً من النار ، وقال الضحاك : متنزهاً . { حَدَآئِقَ وَأَعْنَـٰباً } ، يريد أشجار الجنة وثمارها . { وَكَوَاعِبَ } ، جواري نواهد قد تكعبت ثُدِيُّهُنَّ ، واحدتها كاعب ، { أَتْرَابَاً } ، مستويات في السن . { وَكَأْساً دِهَاقاً } ، قال ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد : مترعة مملوءة . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : متتابعة . قال عكرمة : صافية . { لاَّ يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً } ، باطلاً من الكلام ، { وَلاَ كِذَٰباً } ، تكذيباً ، لا يكذب بعضهم بعضاً . وقرأ الكسائي " كذاباً " ، بالتخفيف مصدر كاذب كالمكاذبة ، وقيل : هو الكذب . وقيل : هو بمعنى التكذيب كالمشدد . { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } ، أي جازاهم جزاءً وأعطاهم عطاءً " حساباً " أي : كافياً وافياً ، يقال : أحسبت فلاناً , أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي . وقال ابن قتيبة : " عطاءً حساباً " أي كثيراً . وقيل : هو جزاء بقدر أعمالهم . { رَّبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ } ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو : " ربُّ " رفع على الاستئناف و " الرحمن " خبره . وقرأ الآخرون بالجر اتباعاً لقوله : " من ربك " وقرأ ابن عامر , وعاصم , ويعقوب : " الرحمنِ " جراً اتباعاً لقوله : { رَّبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ } ، وقرأ الآخرون بالرفع ، فحمزة والكسائي يقرآن " ربِّ " بالخفض لقربه من قوله : " جزاءً من ربك " ويقرآن " الرحمنُ " بالرفع لبعده منه على الاستئناف ، وقوله : { لاَ يَملكون } في موضع رفع خبره . ومعنى : { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } ، قال مقاتل : لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه . وقال الكلبي : لا يملكون شفاعة إلا بإذنه . { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } ، أي في ذلك اليوم ، { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } ، واختلفوا في هذا الروح ، قال الشعبي والضحاك : هو جبريل . وقال عطاء عن ابن عباس : " الروح " ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقاً أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفاً وقامت الملائكة كلهم صفاً واحداً ، فيكون عظم خلقه مثلهم . وعن ابن مسعود قال : الروح ملك أعظم من السموات ومن الجبال ، ومن الملائكة وهو في السماء الرابعة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يُخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفاً وحده . وقال مجاهد , وقتادة , وأبو صالح : " الروح " خلق على صورة بني آدم وليسوا بناس يقومون صفاً والملائكة صفاً ، هؤلاء جند وهؤلاء جند . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : هم خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم . وقال الحسن : هم بنو آدم . ورواه قتادة عن ابن عباس ، وقال : هذا مما كان يكتمه ابن عباس . { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } قال الشعبي : هما سماطا ربِّ العالمين ، يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة . { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } ، في الدنيا ، أي حقاً . وقيل : قال : لا إله إلا الله . { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } ، الكائن الواقع يعني يوم القيامة ، { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } ، مرجعاً وسبيلاً بطاعته ، أي : فمن شاء رجع إلى الله بطاعته . { إِنَّآ أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } ، يعني العذاب في الآخرة ، وكل ما هو آت قريب . { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } ، أي كل امرئ يرى في ذلك اليوم ما قدم من العمل مثبتاً في صحيفته ، { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُراباً } . قال عبد الله بن عمرو : إذا كان يوم القيامة مُدت الأرض مدّ الأديم ، وحشرت الدواب والبهائم والوحوش ، ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها ، فإذا فرغ من القصاص قيل لها : كوني تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً . ومثله عن مجاهد . وقال مقاتل : يجمع الله الوحوش والهوام والطير فيقضي بينهم حتى يُقتصَ للجماء من القرناء ، ثم يقول لهم : أنا خلقتكم وسخرتكم لبني آدم وكنتم مطيعين إياهم أيام حياتكم ، فارجعوا إلى الذي كنتم , كونوا تراباً , فإذا التفت الكافر إلى شيء صار تراباً , يتمنى فيقول : يا ليتني كنت في الدنيا في صورة خنزير وكنت اليوم تراباً . وعن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان قال : إذا قضى الله بين الناس وأمر أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، وقيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن عودوا تراباً فيعودون تراباً , فحينئذ يقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً . وبه قال ليث بن أبي سُليم ، مؤمنوا الجن يعودون تراباً . وقيل : إن الكافر ها هنا إبليس ، وذلك أنه عاب آدم وأنه خلق من التراب وافتخر بأنه خلق من النار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة ، وما هو فيه من الشدة والعذاب ، قال : يا ليتني كنت تراباً . قال أبو هريرة فيقول : التراب لا , ولا كرامة لك , من جعلك مثلي ؟ .