Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 10-12)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } يعني : الإِمداد بالملائكة ، { إِلاَّ بُشْرَىٰ } ، أي : بشارة ، { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو : " يغشاكم " بفتح الياء ، " النعاس " رفع على أن الفعل له ؛ كقوله تعالى : { أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } [ آل عمران : 154 ] . قرأ أهل المدينة : " يُغْشِيْكُم " بضم الياء وكسر الشين مخففاً ، " النعاسَ " نصب ؛ كقوله تعالى : " كأنّما أُغْشِيَتْ وجوههم " ، وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الشين مشدّداً ، " النعاسَ " نصب ، على أن الفعل لله عزّ وجلّ ؛ كقوله تعالى : { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } [ النجم : 54 ] ، والنعاس : النوم الخفيف . { أَمَنَةً } آمناً { منه } ، مصدر أمنت أمناً وأمنة وأماناً . قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة وسوسة من الشيطان . { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ، وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب أعفر ، تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب ، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وأصبح المسلمون بعضهم مُحْدِثين وبعضهم مُجْنِبينَ ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان ، وقال : تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبيّ الله ، وأنكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلُّون مُحْدِثْيِنَ ومُجْنِبِيْنَ ، فكيف ترجون أن تظهروا عليهم ؟ فأرسل الله عزّ وجلّ عليهم مطراً سال منه الوادي فشرب المسلمون واغتسلوا ، وتوضّؤوا وسَقَوا الركاب ، وملؤوا الأسقية ، وأطفأ الغبارَ ، ولبَّد الأرض حتى ثبتت عليهم الأقدام ، وزالت عنهم وسوسة الشيطان ، وطابت أنفسهم ، فذلك قوله تعالى : " ويُنزّل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " من الأحداث والجنابة . { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } ، ووسوسته ، { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } ، باليقين والصبر ، { وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } ، حتى لا تسوخ في الرمل بتلبيد الأرض . وقيل : يثبت به الأقدام بالصبر وقوّة القلب . { إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ } ، الذين أمدّ بهم المؤمنين ، { أَنِّي مَعَكُمْ } ، بالعون والنصرة ، { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ، أي : قَوُّوا قلوبهم ، قيل : ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم ، أي : ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين . وقال مقاتل : أي : بشّروهم بالنصر ، وكان المَلَكُ يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول : أبشروا فإن الله ناصرُكم . { سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } ، قال عطاء : يريد الخوف من أوليائي ، { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَـٰقِ } ، قيل : هذا خطاب مع المؤمنين . وقيل : هذا خطاب مع الملائكة ، وهو متصل بقوله : " فثبّتوا الذين آمنوا " ، وقوله : " فوق الأعناق " ، قال عكرمة : يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق . وقال الضحاك : معناه فاضربوا الأعناق ، وفوق صلة كما قال تعالىٰ : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [ محمد : 4 ] ، وقيل : معناه فاضربوا على الأعناق . فوق بمعنى : على . { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } ، قال عطية : يعني كل مفصل . وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك : يعني الأطراف . والبَنَانُ جمع بنانة ، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين . قال ابن الأنباري : كانت الملائكة تعلم كيف تقتل الآدميين فعلّمهم الله عزّ وجلّ . أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر الجرجاني أنا عبدالغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا عمر بن يونس الحنفي ، ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا أبو زميل هو سماك الحنفي ثني عبدالله بن عباس قال : " بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حَيْزُوم ، إذ نظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقياً ، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشُقّ وجهه لضربة السَّوْط فاخضرَّ ذلك أجمعُ ، فجاء الأنصاري فحدّث رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : « صدقتَ ، ذلك من مَدَدِ السماء الثالثة » " فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين . ورُوي عن أبي داود المازني وكان شهد بدراً قال : إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري . ورَوى أبو أُمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال : الله ، لقد رأيتنا يوم بدر ، وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف . وقال عكرمة : قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنتُ غلاماً للعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، وأسلمتْ أمُّ الفضل وأسلمتُ ، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم ، وكان يكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه ، وكان أبو لهب عدوّ الله قد تخلّف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ، فلما جاء الخير عن مصاب أصحاب بدر كَبَته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوةً وعزّاً وكنتُ رجلاً ضعيفاً وكنت أعمل القداح وأنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس أنحت القداح ، وعندي أم الفضل جالسة ، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرُّ رجليه حتى جلس على طَنَبِ الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري ، فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب قد قدم ، فقال أبو لهب : إليّ يا بن أخي فعندك الخبر ، فجلس إليه والناس قيام عليه ، قال : يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال : لا شيء والله إن كان إلاّ أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا وايْمُ الله مع ذلك ما لُمْتُ الناس ، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بُلْق بين السماء والأرض ، لا والله ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء ، قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة ، قال : فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة ، فثاورته ، فاحتملني فضرب بي الأرض ، ثم برك عليّ يضربني ، وكنت رجلاً ضعيفاً فقامت أمُّ الفضل إلى عمود من عُمُد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربةً فلقت في رأسه شجّة منكرة ، وقالت : تستضعفه إن غاب عنه سيّده ؟ فقام مُولّياً ذليلاً ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته " . " وروىَ مقسم عن ابن عباس قال : كان الذي أسر العباس أبو اليسر ، كعب بن عمرو أخو بني سلمة ، وكان أبو اليسر رجلاً مجموعاً ، وكان العباس رجلاً جسيماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر ، كيف أسَرْتَ العباس ؟ قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيتُه قبل ذلك ولا بعده ، هيئتُهُ كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد أعانك عليه ملك كريم » " .