Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 13-16)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ } خالفوا الله ، { وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . { ذٰلِكُمْ } ، أي : هذا العذاب والضرب الذي عجلته لكم أيها الكفار ببدر ، { فَذُوقُوهُ } ، عاجلاً ، { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ } ، أي : واعلموا وأيقنوا أن للكافرين أجلاً في المعاد ، { عَذَابَ ٱلنَّارِ } . روى عكرمة عن ابن عباس قال : " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء ، فناداه العباس وهو أسير في وثاقه : لا يصلح لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لِمَه ؟ " قال : لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك وما وعدك " . قوله عزّ وجلّ : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } ، أي مجتمعين متزاحمين بعضكم إلى بعض ، والتزاحف : التداني في القتال : والزحف مصدر ولذلك لم يُجْمع ؛ كقولهم : قوم عدل ورضاً . قال الليث : الزحف جماعة يزحفون إلى عدوٍ لهم بمرة ، فهم الزحف والجمع الزحوف . { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } ، يقول : فلا تولوهم ظهوركم ، أي : تنهزموا فإن المنهزم يولى دُبره . { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ، ظهره ، { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } ، أي : منعطفاً يري من نفسه الانهزام ، وقصده طلب الغِرَّة وهو يريد الكرة ، { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } ، أي : منضماً صائراً إلى جماعة من المؤمنين يريد العود إلى القتال . ومعنى الآية : النهي عن الانهزام من الكفار والتولّي عنهم ، إلاّ على نية التحرّف للقتال والانضمام إلى جماعة من المسلمين ليستعين بهم ويعود إلى القِتال ، فمن ولّى ظهره لا على هذه النية لحقه الوعيد ؛ كما قال تعالى : { فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ، واختلف العلماء في هذه الآية فقال أبو سعيد الخدري : هذا في أهل بدر خاصة ، ما كان يجوز لهم الانهزام لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم ، ولم يكن لهم فئة يتحيّزون إليها دون النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو انحازُوا لانحازُوا إلى المشركين ، فأمّا بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض ، فيكون الفارُّ متحيّزاً إلى فئة فلا يكون فراره كبيرة ، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك . قال يزيد بن أبي حبيب : أوجب الله النار لمن فرَّ يوم بدر ، فلما كان يوم أُحد بعد ذلك قال : { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 155 ] ، ثم كان يوم حُنين بعده فقال : { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ] ، { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [ التوبة : 27 ] . وقال عبدالله بن عمر : كنّا في جيش بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة فانهزمنا ، فقلنا : يا رسول الله نحن الفرّارون ، قال : " بل أنتم الكرّارون ، إنا فئة المسلمين " . وقال محمد بن سيرين : لما قُتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر فقال : لو انحاز إليّ كنت له فئة فإنّا فئة كل مسلم . وقال بعضهم : حكم الآية عام في حقّ كل من ولّى منهزماً . جاء في الحديث : " من الكبائر الفِرَارُ من الزحف " . وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله عزّ وجلّ : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } [ الأنفال : 66 ] ، فليس لقوم أن يفرّوا من [ مثلهم ] فنسخت تلك إلاّ في هذه العدة ، وعلى هذا أكثر أهل العلم أن المسلمين إذا كانوا على الشطر من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفرّوا أو يوّلوا ظهورهم إلاّ متحرّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئة ، وإن كانوا أقلّ من ذلك جاز لهم أن يُولّوا ظهورهم وينحازوا عنهم . قال ابن عباس : " مَنْ فرَّ من ثلاثة فلم يفر ، ومن اثنين فقد فرّ " .