Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-1)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } الآية ، قال أهل التفسير : سبب نزول هذه الآية هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : " مَنْ أتى مكان كذا فله من النفل كذا ومَنْ قَتل قتيلاً فله كذا ومَنْ أسر أسيراً فله كذا " ، فلما التقوا تسارع إليه الشبان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات ، فلما فتح الله على المسلمين جاؤوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الأشياخ : كنّا ردْءَاً لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا ، وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال : يا رسول الله إنّك وعدت أنّ من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا وإنّا قد قتلنا منهم سبعين وأسرنا منهم سبعين ، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال : والله يا رسول الله ما منعنا أن نطلب ما يطلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو ، ولكن كرهنا أن تعرى مصافك فيعطف عليه خيل من المشركين فيصيبوك ، فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد : يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك ، فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى لأصحابك كثير شيء ، فنزلت : " يسألونك عن الأنفال " . وقال ابن إسحاق : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه ، فقال مَنْ جمعه : هو لنا ، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كلَّ امرىء ما أصاب ، وقال الذين يقاتلون العدو : لولا نحن ما أصبتموه ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأينا أن نقتل العدو وأن نأخذ المتاع ولكنّا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرَّة العدو ، وقمنا دونه فما أنتم بأحق به منّا . وروى مكحول عن أبي أمامة الباهليِّ قال : سألت عُبادة بنَ الصامتِ عن الأنفال ، قال : فينا مَعْشَرَ أصحاب بدر نزلتْ ، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا عن بواء يقول على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين . " وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : لما كان يوم بدر قُتِل أخي عمير ، وقتلتُ سعيد بن العاص بن أمية ، وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكثيفة ، فأعجبني فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهبْ لي هذا السيف ، فقال : « ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القَبَض » ، فطرحته ورجعت ، وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلاحي ، وقلت : عسى أن يعطي هذا السيف من لم يَبْلُ بلائي ، فما جاوزت إلا قليلاً حتى جاءني الرسول ، وقد أنزّل الله عزّ وجلّ : " يسألونك عن الأنفال " الآية . فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي ، وإنه قد صار لي فاذهبْ فخذْه فهو لك » " . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء ، وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرةً أو سِلْكاً فهو غلول . قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } ، أي : عن حكم الأنفال وعلمها ، وهو سؤال استخبار لا سؤال طلب . وقيل : هو سؤال طلب ، قاله الضحاك وعكرمة . وقوله : { عَنِ ٱلأَنفَالِ } ، أي : من الأنفال ، عن بمعنى من . وقيل : عن صلة ، أي : يسألونك الأنفال ، وهكذا قراءة ابن مسعود بحذف عن . والأنفال : الغنائم ، واحدها : نَفَل ، وأصله الزيادة ، يقال : نفلتك وأنفلتك أي زدتك . سُمِّيت الغنائم أنفالاً : لأنها زيادة من الله لهذه الأمة على الخصوص . وأكثر المفسرين على أن الآية في غنائم بدر . وقال عطاء : هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء . قوله تعالى : { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } ، [ يقسمها كما شاءَ ] واختلفوا فيه ، فقال مجاهد وعكرمة والسُّدي : هذه الآية منسوخة بقوله عزّ وجلّ : " واعلموا أنّما غَنِمْتُمْ من شيء فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وللرسول " . كانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم فنسخها الله عزّ وجلّ بالخُمس . وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال لله مع الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى ، أي : الحكم فيها لله ولرسوله ، وقد بيّن الله مصارفها في قوله عزّ وجلّ : " واعلموا أنّما غَنِمْتُمْ من شيء فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وللرسول " الآية . { فَٱتَّقُواْ الله وأَصْلِحُوا ذَاتَ بينكم } ، أي : اتّقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة ، وتسليم أمر الغنيمة إلى الله والرسول . { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } .