Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 5-7)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } ، اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } ، قال المبرد : تقديره الأنفال لله وللرسول وإن كرهوا ، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا . وقيل : تقديره : امضِ لأمر الله في الأنفال وإن كرهوا كما أمضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون . وقال عكرمة : معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم ، كما أن إخراج محمد صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق خير لكم ، وإن كرهه فريق منكم . وقال مجاهد : معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم ، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه . وقيل : هو راجع إلى قوله : " لهم درجات عند ربهم " ، تقديره : وَعْدُ [ الله ] الدرجات لهم حقٌّ ينجزه الله عزّ وجلّ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، فأنجز الوعد بالنصر والظفر . وقيل : الكاف بمعنى على ، تقديره : امضِ على الذي أخرجك ربّك . وقال أبو عبيدة : هي بمعنى القسم مجازاً والذي أخرجك ، لأن " ما " في موضع الذي ، وجوابه " يجادلونك " ، وعليه يقع القسم ، تقديره : يجادلونك والله الذي أخرجك ربّك من بيتك بالحق . وقيل : الكاف بمعنى " إذ " تقديره : واذكرْ إذْ أخرجك ربّك . وقيل : المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة . والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر ، أي : كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق ، قيل : بالوحي لطلب المشركين ، { وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، منهم ، { لَكارِهُونَ } . { يُجَـٰدِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ } ، أي : في القتال ، { بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } ، وذلك أن المؤمنين لمّا أيقنوا القتال كرهوا ذلك ، وقالوا : لم تُعْلمْنَا أنا نلقى العدو فنستعدّ لقتالهم ، وإنّما خرجنا للعير ، فذلك جدالهم بعدما تبين لهم أنك ما تصنع إلاّ ما أمرك ، وتبين صدقك في الوعد ، { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ } لشدّة كراهيتهم القتال ، { وَهُمْ يَنظُرُونَ } ، فيه تقديم وتأخير ، تقديره : وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون يجادلونك في الحق بعدما تبيّن . قال ابن زيد : هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهيتهم إيّاه وهم ينظرون . قوله تعالى : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } ، قال ابن عباس وابن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي : أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش في أربعين راكباً من كفار قريش فيهم : عمرو بن العاص ، ومخرمة بن نوفل الزهري ، وفيها تجارة كثيرة ، وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريباً من بدر ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجُوا إليها لعلّ الله أن يُنفِلْكُموها ، فانتدب الناسَ فخفّ بعضهم وثقل بعض ، وذلك أنهم لم يظنّوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً . فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي صلى الله عليه وسلم استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم ويخبرهم أن محمداً قد عرض لعيرهم في أصحابه ، فخرج ضمضم سريعاً إلى مكة . وقد رأت عاتكة بنت عبدالمطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤياً أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبدالمطلب فقالت له : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة ، فاكتمْ عليّ ما أحدثك . قال لها : وما رأيت ؟ قالت : رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غُدُر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مَثُل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضّت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فِلْقَة . فقال العباس : والله إنّ هذه لرؤيا رأيت ! فاكتميها ولا تذكريها لأحد . ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس ، وكان له صديقاً فذكرها له واستكتمه إيّاها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش . قال العباس : فغدوتُ أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، قال : فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدَّثت هذه البينة فيكم ؟ قلت : وما ذاك ؟ قال : الرؤيا التي رأت عاتكة ؟ قلت : وما رأت ؟ قال : يا بني عبدالمطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك ما قالت حقاً فسيكون ، وإنْ تمضِ الثلاث ، ولم يكن من ذلك شيئاً نكتبْ عليكم كتاباً إنكم أكذب أهل بيت في العرب . فقال العباس : والله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئاً ، ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبدالمطلب إلا أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت ؟ قال : قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كبير ، وأيم الله لأتعرضنّ له فإن عاد لأكفينَّكه . قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه ، قال : فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلاً خفيفاً ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ، إذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ . قال : قلت في نفسي : ما لَه لعنه الله ؟ أكلُّ هذا فرقاً مني أن أشاتمه ؟ قال : وإذا هو قد سمع ما لم أسمع ، صوتَ ضمضم بن عمرو ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره ، وقد جدع أنف بعيره وحوَّل رجله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّدٌ في أصحابه ، ولا أرى أن تدركوها ، الغوثَ الغوثَ . قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهّز الناس سراعاً فلم يتخلّف من أشراف قريش أحد إلاّ أن أبا لهب قد تخلّف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة . فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرتْ الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث ، فقالوا : نخشى أن يأتوننا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم . فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر ، وقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه . فخرجوا سراعاً ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، في ليالٍ مضت من شهر رمضان ، حتى إذا بلغ وادياً يقال له ذَفِران ، فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عيرهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عيناً للقوم فأخبره بهم . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً عيناً له من جهينة حليفاً للأنصار يدعى عبدالله بن أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل جبريل وقال : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إمّا العير وإما قريشاً ، وكانت العير أحبّ إليهم . فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امْضِ لِما أراك الله فنحن معك ، فوالله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فاذهبْ أنت وربّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة ، لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشيروا عليّ أيها الناس " ، وإنّما يريد الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءَنا ونساءَنا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّف أن لا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم . فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ : والله لَكأنّك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل ، قال : قد آمنّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهوداً ومواثيق على السمع والطاعة ، فامضِ يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منّا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غداً إنّا لصبرٌ عند الحرب صدق في اللقاء ، ولعلّ الله تعالى يُريك منّا ما تقرّ به عينك ، فسِرْ بنا على بركة الله ، فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشّطه ذلك ، ثم قال : " سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " . قال ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان " ، قال : ويضع يده على الأرض ها هنا وهاهنا ، قال : فما ماط أحدٌ عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك قوله تعالى : " وإذْ يعدكمُ الله إحدَى الطائفتين أنَها لكم " ، أي : الفريقين إحداهما أبو سفيان مع العير والأخرى أبو جهل مع النفير . { وَتَوَدُّونَ } ، أي : تريدون { أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } ، يعني العير التي ليس فيها قتال . والشوكة : الشدّة والقوة . ويقال : السلاح . { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ } ، أي : يُظهره ويُعليه ، { بِكَلِمَـٰتِهِ } ، بأمره إيّاكم بالقتال . وقيل : بعِدَاتِه التي سبقت من إظهاره الدين وإعزازه ، { وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } ، أي : يستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد ، يعني : كفار العرب .