Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 65-67)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } ، أي : حُثَّهم على القتال . { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ } ، رجلاً { صَـٰبِرُونَ } ، محتسبون ، { يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } ، من عدوهم يقهروهم ، { وَإِن يَكُن مُّنكُم مِّاْئَةٌ } ، صابره محتسبة ، { يَغْلِبُوۤاْ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، ذلك { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } ، أي : إن المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب ، ولا يثبتون إذا صدقتموهم القتال ، خشية أن يقتلوا ، وهذا خبر بمعنى الأمر ، وكان هذا يوم بدر فرض الله على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين ، فثقلت على المؤمنين ، فخفّف الله عنهم ، فنزل : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } أي : ضعفاً في الواحد عن قتال العشرة وفي المائة عن قتال الألف ، وقرأ أبو جعفر : " ضُعَفاء " بفتح العين والمد على الجمع ، وقرأ الآخرون بسكون العين ، { فَإِن يَكُن مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } ، من الكفار ، { وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } ، فردّ من العشرة إلى الاثنين فإن كان المسلمون على الشطر من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفروا . وقال سفيان قال ابن شبرمة : وأرى الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر مثلَ هذا . قرأ أهل الكوفة : " وإنْ يكنْ منكم مائة " ، بالياء فيهما وافق أهل البصرة في الأول والباقون بالتاء فيهما ، وقرأ عاصم وحمزة : " ضعفا " بفتح الضاد هاهنا وفي سورة الروم ، والباقون بضمها . وقوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } ، قرأ أبو جعفر وأهل البصرة : " تكون " بالتاء والباقون بالياء ، وقرأ أبو جعفر : " أسارى " ، والآخرون : " أَسرى " . وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : " لمّا كان يوم بدر وجيء بالأسرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تقولون في هؤلاء » ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك فاستبقهم واستأنِ بهم ، لعلّ الله أن يتوب عليهم ، وخُذْ منهم فدية ، تكون لنا قوة على الكفار ، وقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله كذّبوك وأخرجوك قدَّمهم نضربْ أعناقهم ، مكِّنْ علياً من عقيل فيضرب عنقه ، ومكّني من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمّة الكفر ، وقال عبدالله بن رواحة : يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم ناراً ، فقال له العباس : قطعتَ رحمك . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يُجِبْهم ، ثم دخل : فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول ابن رواحة ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « إنّ الله تعالى لَيُلَيِّنُ قلوب رجال حتى تكون ألْيَنَ من اللبن ، ويشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدَّ من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } » [ إبراهيم : 36 ] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] ، وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال : { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] ، ومثل موسى قال : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } الآية [ يونس : 88 ] ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنتم اليوم عالة فلا يفلتنّ منهم أحد إلاّ بفداء أو ضرب عنق » ، قال عبدالله بن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم ، حتى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إلا سهيل بن بيضاء » . قال ابن عباس : قال عمر بن الخطاب فَهَوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلتُ ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة » , لشجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] إلى قوله : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً } [ الأنفال : 69 ] " فأحل الله الغنيمة لهم بقوله : " له أَسرى " جمع أسير مثل قتلى وقتيل . قوله : { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : يبالغ في قتل المشركين وأسرهم ، { تُرِيدُونَ } أيها المؤمنون { عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } بأخذكم الفداء ، { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلأَخِرَةَ } ، يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصر دين الله عزّ وجلّ ، " والله عزيز حكيم " . وكان الفداء لكل أسير أربعين أوقية ، والأوقية أربعون درهماً . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله في الأسارى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } [ محمد : 4 ] ، فجعل الله عزّ وجلّ نبيّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاؤوا قتلوهم ، وإن شاؤوا استبعدوهم ، وإن شاؤوا فادُوْهم ، وإن شاؤوا أعتقوهم .