Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 4-10)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } ، أي إذا سار وذهب كما قال تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [ المدثر : 33 ] ، وقال قتادة : إذا جاء وأقبل , وأراد كل ليلة . وقال مجاهد وعكرمة والكلبي : هي ليلة المزدلفة . قرأ أهل الحجاز , والبصرة : " يسري " بالياء في الوصل , ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضاً ، والباقون يحذفونها في الحالين ، فمن حذف فلِوِفَاق رؤوس الآي ، ومن أثبت فلأنها لام الفعل ، والفعل لا يحذف منه في الوقف . نحو قوله : هو يقضي وأنا أقضي ، وسئل الأخفش عن العلة في سقوط الياء ؟ فقال : الليل لا يسري , ولكن يسرى فيه ، فهو مصروف , فلما صرفه بخسه حقه من الإعراب ، كقوله : { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } ، ولم يقل : " بغية " لأنها صرفت من باغية . { هَلْ فِي ذَلِكَ } أي فيما ذكرت ، { قَسَمٌ } ، أي : مقنع ومكتفى في القسم ، { لِّذِي حِجْرٍ } ، لذي عقل , سمي بذلك لأنه يحجر صاحبه عمّا لا يحل ولا ينبغي ، كما يسمى عقلاً , لأنه يعقله عن القبائح ، ونُهَى لأنه ينهى عما لا ينبغي ، وأصل " الحَجْر " : المنع . وجواب القسم قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } ، واعترض بين القسم وجوابه قوله عزّ وجلّ : { أَلَمْ تَرَ } ، قال الفرَّاء : ألم تُخْبَر ؟ وقال الزجَّاج : ألم تعلم ؟ ومعناه التعجب . { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إرَمَ } ، يخوِّف أهل مكة , يعني : كيف أهلكهم ، وهم كانوا أطول أعماراً وأشد قوة من هؤلاء ، واختلفوا في إرم ذات العماد , فقال سعيد بن المسيب : " إرم ذات العماد " دمشق ، وبه قال عكرمة . وقال القرظي هي الإسكندرية ، وقال مجاهد : هي أمَّة . وقيل : معناها : القديمة . وقال قتادة , ومقاتل : هم قبيلة من عاد قال مقاتل : كان فيهم الملك , وكانوا بمَهَرَة , وكان عاد أباهم , فنسبهم إليه , وهو إرم بن سام بن نوح . وقال محمد بن إسحاق : هو جد عاد , وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح . وقال الكلبي : " إرم " هو الذي يجتمع إليه نسب عاد وثمود وأهل الجزيرة ، كان يقال : عاد إرم , وثمود إرم ، فأهلك الله عاداً ثم ثمود , وبقي أهل السواد والجزيرة ، وكانوا أهل عُمُدٍ وخيام وماشية سيارة في الربيع ، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا أهل جنان وزروع , ومنازلهم بوادي القرى ، وهي التي يقول الله فيها : { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلَـٰدِ } ، وسموا ذات العماد لهذا لأنهم كانوا أهل عمد سيارة ، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي ، ورواية عطاء عن ابن عباس ، وقال بعضهم : سموا ذلك العماد لطول قامتهم . قال ابن عباس : يعني طولهم مثل العماد . وقال مقاتل : كان طول أحدهم اثني عشر ذراعاً . وقوله : { لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلَـٰدِ } ، أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة ، وهم الذين قالوا : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوة } . وقيل : سموا ذات العماد لبناء بناه بعضهم فشيد عمده ، ورفع بناءه ، يقال : بناه شداد بن عاد على صفة لم يخلق في الدنيا مثله , وسار إليه في قومه ، فلما كان منه على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعاً . { وَثَمُودَ } ، أي : وبثمود , { ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ } ، قطعوا الحجر ، واحدتها : صخرة , { بـٱلْوَادِ } ، يعني : وادي القُرى كانوا يقطعون الجبال فيجعلون فيها بيوتاً ، وأثبت ابن كثير ويعقوب الياء في الوادي وصلاً ووقفاً على الأصل ، وأثبتها ورش وصلاً ، والآخرون بحذفها في الحالين على وفق رؤوس الآي . { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } ، سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد ، وقد ذكرناه في سورة ص . أخبرنا أبو سعيد الشريحي , أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي , أخبرنا ابن فنجويه , حدثنا مخلد بن جعفر , حدثنا الحسين بن علويه , حدثنا إسماعيل بن عيسى , حدثنا إسحاق بن بشر عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عباس : أن فرعون إنما سُمي " ذي الأوتاد " لأنه كانت امرأة ، وهي امرأة خازن فرعون حزبيل ، وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة ، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون , فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : تعس مَنْ كفر بالله ، فقالت بنت فرعون : وهل لك من إلهٍ غير أبي ؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له ، فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السموات والأرض واحد لا شريك له . فأرسل إليها فسألها عن ذلك ، فقالت : صدقتْ ، فقال لها : ويحك اكفري بإلهك وأقرِّي بأني إلهك ، قالت : لا أفعل فمدَّها بين أربعة أوتاد , ثم أرسل عليها الحيات والعقارب ، وقال لها : اكفري بإلهك وإلاّ عذبتك بهذا العذاب شهرين ، فقالت له : ولو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله ، وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قرب منها ، وقال لها : اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على قلبك ، وكانت رضيعاً ، فقالت : لو ذبحت من على وجه الأرض على فيَّ ما كفرت بالله عزّ وجلّ ، فأتى بابنتها الصغرى فلما اضطجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة , فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت , وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً ، وقالت : يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتاً في الجنة ، اصبري فإنك تُفْضِين إلى رحمة الله وكرامته ، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله الجنة , قال : وبعث في طلب زوجها حزبيل فلم يقدروا عليه ، فقيل لفرعون : إنه قد رُئِيَ في موضع كذا وكذا في جبل كذا ، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون ، فلما رأيا ذلك انصرفا ، فقال حزبيل : اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة , ولم يظهر عليَّ أحد , فأيما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سُؤْله ، وأيما هذين الرجلين أظهر عليَّ فعجّل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار ، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن ، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملاء ، فقال له فرعون : وهل كان معك غيرك ؟ قال : نعم فلان ، فدعا به فقال : أحقٌّ ما يقول هذا ؟ قال : لا , ما رأيت مما قال شيئاً فأعطاه فرعون وأجزل , وأما الآخر فقتله ، ثم صلبه . قال : وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها " آسية بنت مزاحم " فرأت ما صنع فرعون بالماشطة ، فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون , وأنا مسلمة وهو كافر ؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها ، فقالت : يا فرعون أنت شرُّ الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها ، قال : فلعلّ بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون ، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له ، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما ، فقال لهما : ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها ؟ قالت : أعوذ بالله من ذلك , إني أشهد أن ربي وربَّك وربَّ السموات والأرض واحدٌ لا شريك له ، فقال لها أبوها : يا آسية ألستِ من خير نساء العماليق وزجك إله العماليق ؟ قالت : أعوذ بالله من ذلك ، إن كان ما يقول حقاً فقولا له أن يتوِّجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله ، فقال لهما فرعون : اخرجا عني ، فمدَّها بين أربعة أوتاد يعذبها , ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهوِّن عليها ما يصنع بها فرعون ، فعند ذلك قالت : { رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَـٰلمِينَ } [ التحريم : 11 ] ، فقبض الله روحها وأسكنها الجنة .