Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 7-14)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } ، قال سعيد بن جبير وقتادة : أيظن أن الله لم يره ، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه ، وأين أنفقه ؟ وقال الكلبي : إنه كان كاذباً في قوله أنفقت كذا وكذا ، ولم يكن أنفق جميع ما قال , يقول أيظن أن الله عزّ وجلّ لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته . ثم ذكره نِعَمَه ليعتبر , فقال : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } ، قال قتادة : نِعَمُ الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر , وجاء في الحديث : " إن الله عزّ وجلّ يقول : ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق ، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك ، فقد أعنتك عليه بطبقتين ، فأطبق ، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فأطبق " . { وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ } ، قال : أكثر المفسرين طريق الخير والشر ، والحق والباطل ، والهدى والضلالة ، كقوله : { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراًً } وقال محمد بن كعب عن ابن عباس : " وهديناه النجدين " قال : الثديين ، وهو قول سعيد بن المسيب والضحاك : والنجد : طريق في ارتفاع . { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } ، يقول : فهلاَّ أنفق ماله فيما يجوزُ به من فك الرقاب وإطعام السَّغْبَان ، فيكون خيراً له من إنفاقه على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، هذا قول ابن زيد وجماعة . وقيل : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } أي لم يقتحمها ولا جاوزها . والاقتحام : الدخول في الأمر الشديد ، وذكْرُ العقبة ها هنا مَثَلٌ ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر ، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة ، يقول : لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام ، وهذا معنى قول قتادة . وقيل : إنه شبَّه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة , فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها . وروي عن ابن عمر : أن هذه العقبة جبل في جهنم . وقال الحسن وقتادة : عقبة شديدة في النار دون الجسر ، فاقتحموها بطاعة الله تعالى . وقال مجاهد , والضحاك , والكلبي : هي صراط يضرب على جهنم كحدِّ السيف , مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلاً وصعوداً وهبوطاً ، وإن بجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان ، فناج مسلَّم ، وناج مخدوش ، ومكردس في النار منكوس ، فمن الناس من يمرّ كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ كالريح العاصف ، ومنهم من يمرّ كالفارس ، ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو ، ومنهم من يمر كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم الزالُّون ، ومنهم من يكردس في النار . قال ابن زيد : يقول فهلاَّ سلك الطريق التي فيها النجاة . ثم بيَّن ما هي فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } ، ما اقتحام العقبة ، قال سفيان بن عيينة : كل شيء ، قال : " وما أدراك " فإنه أخبر به ، وما قال : " وما يدريك " فإنه لم يخبر به . { فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ } ، قرأ ابن كثير , وأبو عمرو , والكسائي : " فكَّ " بفتح الكاف ، " رَقَبةً " نصب ، " أو أَطْعَمَ " بفتح الهمزة والميم على الماضي ، وقرأ الآخرون " فكُّ " برفع الكاف ، " رقبةٍ " جراً ، " أو إطعام " بكسر الهمزة , فألف بعد العين , ورفع الميم منونة على المصدر . وأراد بفك الرقبة إعتاقها وإطلاقها ، ومن أعتق رقبة كانت الرقبة فداءه من النار . أخبرنا عبد الواحد المليحي , أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان , حدثنا أبو جعفر ابن محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني , حدثنا حميد بن زنجويه , حدثنا عبد الله بن صالح , حدثني الليث بن سعد , حدثني ابن الهادِ عن عمر بن علي بن حسين , عن سعيد بن مرجانة قال : سمعته يحدث عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار ، حتى يعتق فرجه بفرجه " . أخبرنا عبد الواحد المليحي , أخبرنا أبو منصور السمعاني , أخبرنا أبو جعفر الرياني , حدثنا حميد بن زنجويه , حدثنا محمد بن كثير العبدي , حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السُّلمي , عن طلحة بن مُصَرِّف اليامي , عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال : " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علِّمني عملاً يدخلني الجنة ، قال : " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أعتقِ النسمةَ وفكَّ الرقبة " , قال : قلت : أَوَلَيْسَا واحداً ؟ قال : " لا , عتقُ النسمة : أن تنفرد بعتقها ، وفكُّ الرقبة : أن تعين في ثمنها ، والمِنْحَةُ الوَكُوفُ ، وأنفق على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكفَّ لسانك إلا من خير " . وقال عكرمة قوله : { فَكُّ رَقَبَةٍ } ، يعني فك رقبة من الذنوب بالتوبة { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } ، مجاعة ، يقال : سَغَبَ يَسْغُب سَغْباً إذا جاع .