Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-16)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } , أكثر المفسرين : على أن هذه السورة أول سورة نزلت من القرآن ، وأول ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله : { مَا لَمْ يعلم } . أخبرنا عبد الواحد المليحي , أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي , أخبرنا محمد بن يوسف , حدثنا محمد بن إسماعيل , حدثنا يحيى بن بُكَيْر , حدثنا الليث عن عُقَيْل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، وكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فَلَقِ الصُّبْح ، ثم حُبِّبَ إليه الخَلاَءُ ، فكان يخلو بغار حراء ، فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبُّد - الليالي ذوات العَددِ قبل أن يَنْزِع إلى أهله ، ويتزوَّدُ لذلك ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق ، وهو في غار حراء , فجاءه الملك فقال : اقرأ ، فقال : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجَهْدُ ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجَهْدُ ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد , ثم أرسلني ، فقال : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } . فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فؤادُه ، فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال : زمِّلُوني زمِّلُوني فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوْعُ ، فقال لخديجة : ما ليَ ؟ وأخبرها الخبر ، وقال : لقد خَشِيتُ على نفسي ، فقالت خديجة : كلاَّ ، والله ما يُخْزِيك الله أبداً , إنك لتصل الرَّحِم , وتحمل الكَلَّ , وتكسب المعدوم , وتقري الضيف , وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقةَ بنَ نوفل بنِ أسدِ بن عبدِ العُزى - ابن عمِّ خديجة - وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتابَ العربيَّ ، فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عميَ ، فقالت له خديجة : يا ابن عمِّ , اسمع من ابن أخيك ما يقول , فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا النَّاموسُ الذي أَنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جَذَعاً , ليتني أكون حيّاً إذْ يُخْرِجُكَ قومُك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَوَ مُخْرِجيَّ هم ؟ قال : نعم لم يأتِ أحد بمثل ما جئتَ به إلاّ عُودِيَ ، وإن يُدْرِكْنِي يومُك أَنْصُرْكَ نصراً مؤزَّراً ، ثم لم يمكث ورقة أنْ تُوفِّيَ ، وفَتَر الوحي . وروى محمد بن إسماعيل هذا الحديث في موضع آخر من كتابه , عن يحيى بن بُكَيْر بهذا الإسناد ، وقال : حدثني عبد الله بن محمد , حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر قال الزهري , فأخبرني عروة عن عائشة وذكر الحديث ، وقال : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } حتى بلغ { مَا لَمْ يَعْلَمْ } وزاد في آخره فقال : وفَتَر الوحيُ فَتْرَةً حتى حَزِنَ النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً حتى يتردَّى من رؤوس شَواهِق الجبال ، فكلما أوفى بذِرْوة جبلٍ لكي يُلقَي نفسه منه ، تبدَّى له جبريل فقال : يا محمدُ ، إنك رسولُ الله حقاً ، فيسكنُ لذلك جأشُه ، وتقرُّ نفسهُ , فيرجعُ ، فإذا طالت عليه فترةُ الوحي غدا لمثلِ ذلك ، فإذا أوفى بذِرْوة جبلٍ تبدَّى له جبريلُ ، فقال له مثل ذلك . أخبرنا أحمد بن عبدان , أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي , أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي , أخبرنا عبد الله بن حامد الوراق أخبرنا مكي بن عبدان , أخبرنا عبد الرحمن بن بشر , حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق , عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أول سورة نزلت قوله عزّ وجلّ : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } . قال أبو عبيدة : مجازهُ : اقرأ اسم ربك , يعني أن الباء زائدة ، والمعنى : اذكر اسمه ، أُمِرَ أن يبتدئ القراءة باسم الله تأديباً . { ٱلَّذِي خَلَقَ } قال الكلبي : يعني الخلائق , ثم فسره فقال : { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } يعني خلق ابن آدم ، { مِنْ عَلَقٍ } ، جمع علقة . { ٱقْرَأْ } ، كرره تأكيداً , ثم استأنف فقال : { وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } ، قال الكلبي : الحليم عن جهل العباد لا يعجل عليهم بالعقوبة . { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } ، يعني الخط والكتابة . { عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا يعلمْ } ، من أنواع الهدى والبيان . وقيل : علم آدم الأسماء كلها . وقيل : الإنسان ها هنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بيانه : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] . { كَلاَّ } ، حقاً ، { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ } ، ليتجاوز حده ويستكبر على ربه . { أن } ، لأن ، { رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } ، أن رأى نفسه غنياً ، قال الكلبي : يرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام وغيرهما . وقال مقاتل : نزلت في أبي جهلٍ , كان إذا أصاب مالاً زاد في ثيابه ومركبه وطعامه , فذلك طغيانه . { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } ، أي المرجع في الآخرة , " الرجعى " : مصدر على وزن فُعْلَىٰ . { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } ، نزلت في أبي جهل , نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر , أخبرنا عبد الغافر بن محمد , أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي , حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان , حدثنا مسلم بن الحجاج , حدثنا عبد الله بن معاذ ومحمد بن عبد الأعلى القيسي , قالا : حدثنا المعتمر عن أبيه , حدثني نعيم بن أبي هند , عن أبي حازم , عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعُزَّى لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنّ على رقبته , ولأعفِّرَنَّ وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، عزم ليطأ على رقبته ، فما فَجَأَهُمْ منه إلا وهو ينكُصُ على عقبيه ، ويتَّقي بيديه ، قال فقيل له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار ، وهولاً وأجنحةً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً " ، قال : فأنزل الله - لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه - : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ * أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } الآيات . ومعنى " أرأيت " ها هنا تعجيب للمخاطب ، وكرَّر هذه اللفظة للتأكيد . { أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } ، يعني : العبد المنهي , وهو محمد صلى الله عليه وسلم . { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } ، يعني بالإخلاص والتوحيد . { أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ } ، يعني أبا جهل ، { وَتَوَلَّى } ، عن الإيمان . وتقدير نظم الآية : أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى والمنهي على الهدى ، آمِرٌ بالتقوى ، والناهي مكذِّبٌ مُتَوَلٍّ عن الإيمان ، فما أعجب من هذا ! . { أَلَمْ يَعْلَم } ، يعني أبا جهل ، { بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ، ذلك فيجازيه به . { كَلاَّ } ، لا يعلم ذلك ، { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } ، عن إيذاء نبيه صلى الله عليه وسلم وتكذيبه ، { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } ، لنأخذن بناصيته فلنجرنه إلى النار ، كما قال { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } [ الرحمن : 41 ] ، يقال : سفعتُ بالشيء , إذا أخذته وجذبته جذباً شديداً ، و " الناصية " : شعر مقدم الرأس . ثم قال على البدل : { نَاصِيَةٍ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } ، أي صاحبها كاذب خاطىء , قال ابن عباس : لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو جهل أتنهرني يا محمد لقد علمت ما بها أكثر نادياً مني ؟ ثم قال : فوالله لأملأنَّ عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جرداً ورجالاً مرداً .