Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 41-42)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى { وقال } نوح - حين أمر بالحمل في السفينة - لمن آمن معه : { اركبوا فيها } ؛ فأنث الضمير ، إذ هي سفينة لأن الفلك المذكور مذكر . وفي مصحف أبيّ " على اسم الله " . وقوله : { بسم الله } يصح أن يكون في موضع الحال من الضمير الذي في قوله : { اركبوا } كما تقول : خرج زيد بثيابه وبسلاحه ، أي اركبوا متبركين بالله تعالى ، ويكون قوله : { مجراها ومرساها } ظرفين ، أي وقت إجرائها وإرسائها . كما تقول العرب : الحمد لله سرارك وإهلالك وخفوق النجم ومقدم الحاج ، فهذه ظرفية زمان ، والعامل في هذا الظرف ما في { بسم الله } من معنى الفعل ، ويصح أن يكون قوله : { بسم الله } في موضع خبر و { مجراها ومرساها } ابتداء مصدران كأنه قال : اركبوا فيها فإن ببركة الله إجراءها وإرساءها ، وتكون هذه الجملة - على هذا - في موضع حال من الضمير في قوله { فيها } ، ولا يصح أن يكون حالاً من الضمير في قوله : { اركبوا } لأنه لا عائد في الجملة يعود عليه : وعلى هذا التأويل قال الضحاك : إن نوحاً كان إذا أراد جري السفينة قال : { بسم الله } ، فتجري وإذا أراد وقوفها قال : { بسم الله } فتقف . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم - في رواية أبي بكر وابن عامر : " مُجراها ومُرساها " بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما ، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس ، ومن ذلك قول لبيد : [ الكامل ] . @ وعمرت حرساً قبل مجرا داحس لو كان للنفس اللجوج خلود @@ وقرأ حمزة والكسائي وحفص بن عاصم : " مَجراها " بفتح الميم وكسر الراء ، وكلهم ضم الميم من " مُرساها " وقرأ الأعمش وابن مسعود " مَجراها ومَرساها " بفتح الميمين ، وذلك من الجري والرسو ؛ وهذه ظرفية مكان ، ومن ذلك قول عنترة : [ الكامل ] @ فصبرت نفساً عند ذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع @@ واختار الطبري قراءة " مَجراها " بفتح الميم الأولى وضم الثانية ، ورجحها بقوله تعالى : { وهي تجري } ، ولم يقرأ أحد ، " تجري " وهي قراءة ابن مسعود أيضاً رواها عنه أبو وائل ومسروق . وقرأ ابن وثاب وأبو رجاء العطاري والنخعي والجحدري والكلبي والضحاك بن مزاحم ومسلم بن جندب وأهل الشام : " مجريها ومرسيها " وهما على هذه القراءة صفتان لله تعالى عائدتان على ذكره في قوله { بسم الله } . وقوله { إن ربي لغفور رحيم } تنبيه لهم على قدر نعم الله عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم . وقوله تعالى : { وهي تجري بهم } الآية ، روي أن السماء أمطرت بأجمعها حتى لم يكن في الهواء جانب لا مطر فيه ، وتفجّرت الأرض كلها بالنبع ، فهكذا كان التقاء الماء ، وروي أن الماء علا على الجبال وأعلى الأرض أربعين ذراعاً وقيل خمسة عشرة ذراعاً ؛ وأشار الزجاج وغيره إلى أن الماء انطبق : ماء الأرض وماء السماء فصار الكل كالبحر . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وأين كان الموج كالجبال على هذا ؟ وكيف استقامت حياة من في السفينة على هذا ؟ . وقرأت فرقة : " ابنه " على إضافة الابن إلى نوح ، وهذا قول من يقول : هو ابنه لصلبه ، وقد قال قوم : إنه ابن قريب له ودعاه بالنبوة حناناً منه وتلطفاً ، وقرأ ابن عباس " ابنهْ " بسكون الهاء ، وهذا على لغة لأزد السراة ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ ومطواي مشتاقان لهْ أرقانِ @@ وقرأ السدي " ابناه " قال أبو الفتح : ذلك على النداء وذهبت فرقة إلى أن ذلك على جهة الندبة محكية ، وقرأ عروة بن الزبير أيضاً وأبو جعفر وجعفر بن محمد " ابنهَ " على تقدير ابنها ، فحذف الألف تخفيفاً وهي لغة ومنها قول الشاعر : [ البسيط ] @ أما تقود به شاة فتأكلها أو أن تبيعه في نقض الأزاكيب @@ وأنشد ابن الأعرابي على هذا : @ فلست بمدرك ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لواني @@ يريد بلهفا . قال القاضي أبو محمد : وخطأ النحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف وليس كما قال . وقرأ وكيع بن الجراح : " ونادى نوح ابنه " بضم التنوين ، قال أبو حاتم : وهي لغة سوء لا تعرف . وقوله : { في معزل } أي في ناحية ، فيمكن أن يريد في معزل في الدين ، ويمكن أن يريد في معزل في بعده عن السفينة ، واللفظ يعمهما : وقال مكي في المشكل : ومن قال : " معزِل " - بكسر الزاي - أراد الموضع ، ومن قال : " معزَل " - بفتحها - أراد المصدر : فلم يصرح بأنها قراءة ولكن يقتضي ذلك لفظه . وقرأ السبعة " يابنيِّ " بكسر الياء المشددة ، وهي ثلاث ياءات : أولاها ياء التصغير ، وحقها السكون ؛ والثانية لام الفعل ، وحقها أن تكسر بحسب ياء الإضافة إذ ما قبل ياء الإضافة مكسور : والثالثة : ياء الإضافة فحذفت ياء الإضافة إما لسكونها وسكون الراء ، وإما إذ هي بمثابة التنوين في الإعلام وهو يحذف في النداء فكذلك ياء الإضافة والحذف فيها كثير في كلام العرب ، تقول : يا غلام ، ويا عبيد ، وتبقى الكسرة دالة ، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء المكسورة ، وقد روى أبو بكر وحفص عن عاصم أيضاً " يابنيَّ " بفتح الياء المشددة ، وذكر أبو حاتم : أن المفضل رواها عن عاصم ، ولذلك وجهان : أحدهما : أن يبدل من ياء الإضافة ألفاً وهي لغة مشهورة تقول : يا غلاما ، ويا عينا ، فانفتحت الياء قبل الألف ثم حذفت الألف استخفافاً ولسكونها وسكون الراء من قوله { اركب } . والوجه الثاني : أن الياءات لما اجتمعت استثقل اجتماع المماثلة فخفف ذلك الاستثقال بالفتح إذ هو أخف الحركات ، هذا مذهب سيبويه ، وعلى هذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم : " وحواري الزبير " . وروي عن ابن كثير أنه قرأ في سورة لقمان : { يا بني لا تشرك بالله } [ لقمان : 13 ] بحذف ياء الإضافة ويسكن الياء خفيفة ، وقرأ الثانية { يا بني إنها } [ لقمان : 16 ] كقراءة الجماعة وقرأ الثالثة : { يا بني أقم … } [ لقمان : 17 ] ساكنة كالأولى . وقوله : { ولا تكن مع الكافرين } يحتمل أن يكون نهياً محضاً مع علمه أنه كافر ، ويحتمل أن يكون خفي عليه كفره فناداه ألا يبقى - وهو مؤمن - مع الكفرة فيهلك بهلاكهم ، والأول أبين .