Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 43-44)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ظن ابن نوح أن ذلك المطر والماء على العادة ، وقوله : { لا عاصم } قيل فيه : إنه على لفظة فاعل ؛ وقوله : { إلا مَنْ رحم } يريد إلا الله الراحم ، فـ { مَنْ } كناية عن اسم الله تعالى ، المعنى : لا عاصم اليوم إلا الذي رحمنا فـ { مَنْ } في موضع رفع ، وقيل : قوله : { إلا مَنْ رحم } استثناء منقطع كأنه قال : لا عاصم اليوم موجود ، لكن من رحم الله موجود ، وحسن هذا من جهة المعنى ، أن نفي العاصم يقتضي نفي المعصوم . فهو حاصل بالمعنى . وأما من جهة اللفظ ، فـ { مَنْ } في موضع نصب على حد قول النابغة : إلا الأواري . ولا يجوز أن تكون في موضع رفع على حد قول الشاعر : [ الرجز ] . @ وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس @@ إذ هذان أنيس ذلك الموضع القفر ، والمعصوم هنا ليس بعاصم بوجه ، وقيل { عاصم } معناه ذو اعتصام ، فـ { عاصم } على هذا في معنى معصوم ، ويجيء الاستثناء مستقيماً ، و { مَنْ } في موضع رفع ، و { اليوم } ظرف ، وهو متعلق بقوله : { من أمر الله } ، أو بالخير الذي تقديره : كائن اليوم ، ولا يصح تعلقه بـ { عاصم } لأنه كان يجيء منوناً : لا عاصماً اليوم يرجع إلى أصل النصب لئلا يرجع ثلاثة أشياء واحداً ، وإنما القانون أن يكون الشيئان واحداً : { لا } وما عملت فيه ، ومثال النحويين في هذه المسألة : لا أمراً يوم الجمعة لك ، فإن أعلمت في يوم لك قلت : لا أمر . و { بينهما } يريد بين نوح وابنه ، فكان الابن ممن غرق ، وقوله تعالى : { وقيل يا أرض ابلعي ماءك } الآية ، بناء الفعل للمفعول أبلغ في التعظيم والجبروت ، وكذلك بناء الأفعال بعد ذلك في سائر الآية ؛ وروي أن أعرابياً سمع هذه الآية فقال : هذا كلام القادرين ، و " البلع " هو تجرع الشيء وازدراده ، فشبه قبض الأرض للماء وتسربه فيها بذلك ، وأمرت بالتشبيه وأضاف الماء إليها إذ هو عليها وحاصل فيها ، و " السماء " في هذه الآية ، إما السماء المظلة ، وإما السحب ، و " الإقلاع " عن الشيء تركه ، والمعنى : أقلعي عن الإمطار ، و { غيض } معناه نقص ، وأكثر ما يجيء فيما هو بمعنى جفوف كقوله : { وغيض الماء } ، وكقوله : { وما تغيض الأرحام وما تزداد } [ الرعد : 8 ] وأكثر المفسرين على أن ذلك في الحيض ، وكذلك قول الأسود بن يعفر : @ ما غيض من بصري ومن أجلادي @@ وذلك أن الإنسان الهرم إنما تنقصه بجفوف وقضافة وقوله { وقضي الأمر } إشارة إلى جميع القصة : بعث الماء وإهلاك الأمم وإنجاء أهل السفينة . وروي أن نوحاً عليه السلام ركب في السفينة من عين وردة بالشام أول يوم من رجب ، وقيل : في العاشر منه ، وقيل : في الخامس عشر ، وقيل : في السابع عشر ، واستوت السفينة في ذي الحجة ، وأقامت على { الجودي } شهراً ، وقيل له : اهبط في يوم عاشوراء فصامه وصامه من معه من ناس ووحوش : وذكر الطبري عن ابن إسحاق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة ، وذكر أيضاً حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن نوحاً ركب في السفينة أول يوم من رجب ، وصام الشهر أجمع ، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء ، ففيه أرست على الجودي ، فصامه نوح ومن معه " وروي أن نوحاً لما طال مقامه على الماء بعث الغراب ليأتيه بخبر كمال الغرق فوجد جيفة طافية فبقي عليها فلم يرجع بخبر ، فدعا عليه نوح فسود لونه وخوف من الناس ، فهو لذلك مستوحش ، ثم بعث نوح الحمام فجاءته بورق زيتونة في فمها ولم تجد تراباً تضع رجليها عليه ، فبقي أربعين يوماً ثم بعثها فوجدت الماء قد انحسر عن موضع الكعبة ، وهي أول بقعة انحسر الماء عنها ، فمست الطين برجليها وجاءته ، فعلم أن الماء قد أخذ في النضوب ، ودعا لها فطوقت وأنست . فهي لذلك تألف الناس ؛ ثم أوحى الله إلى الجبال أن السفينة ترسي على واحد منها فتطاولت كلها وبقي الجودي - وهو جبل بالموصل في ناحية الجزيرة - لم يتطاول تواضعاً لله ، فاستوت السفينة بأمر الله عليه ، وبقيت عليه أعوادها ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه الأمة " وقال الزجاج : { الجودي } هو بناحية آمد . وقال قوم : هو عند باقردى . وروي أن السفينة لما استقلت من عين وردة جرت حتى جاءت الكعبة فوجدتها قد نشزت من الأرض فلم ينلها غرق فطافت بها أسبوعاً ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجودي . قال القاضي أبو محمد : والقصص في هذه المعاني كثير صعب أن يستوفى ، فأشرت منه إلى نبذ ؛ ويدخله الاختلاف كما ترى في أمر الكعبة والله أعلم كيف كان . { واستوت } معناه : تمكنت واستقرت . وقرأ جمهور الناس : " على الجوديِّ " بكسر الياء وشدها ، وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة " على الجودي " بسكون الياء ، وهما لغتان . وقوله { وقيل : بعداً } يحتمل أن يكون من قول الله تعالى عطفاً على { وقيل } الأول ويحتمل أن يكون من قول نوح والمؤمنين ، والأول أظهر وأبلغ .