Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 87-88)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ جمهور الناس " أصلواتك " بالجمع ، وقرأ ابن وثاب " أصلاتك " بالإفراد ، وكذلك قرأ في براءة { إن صلاتك } [ التوبة : 9 ] وفي المؤمنين : { على صلاتهم } [ المؤمنون : 9 ] كل ذلك بالإفراد . واختلف في معنى " الصلاة " هنا ، فقالت فرقة : أرادوا الصلوات المعروفة ، وروي أن شعيباً عليه السلام كان أكثر الأنبياء صلاة ، وقال الحسن : لم يبعث الله نبياً إلا فرض عليه الصلاة والزكاة . وقيل : أرادوا قراءتك . وقيل : أرادوا : أمساجدك ؟ وقيل : أرادوا : أدعواتك . قال القاضي أبو محمد : وأقرب هذه الأقوال الأول والرابع وجعلوا الأمر من فعل الصلوات على جهة التجوز ، وذلك أن كل من حصل في رتبة من خير أو شر ففي الأكثر تدعوه رتبته إلى التزيد من ذلك النوع : فمعنى هذا : ألما كنت مصلياً تجاوزت إلى ذم شرعنا وحالنا ؟ فكأن حاله من الصلاة جسرته على ذلك فقيل : أمرته ، كما قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] . وقوله : { أن نترك ما يعبد آباؤنا } نص في أنهم كانوا يعبدون غير الله تعالى وقرأ جمهور الناس : " نفعل " و " نشاء " بنون الجماعة فيهما ؛ وقرأ الضحاك بن قيس " تفعل " و " تشاء " بتاء المخاطبة فيهما : ورويت عن أبي عبد الرحمن : " نفعل " بالنون . " ما تشاء " بالتاء ، ورويت عن ابن عباس . فأما من قرأ بالنون فيهما فـ { أن } الثانية عطف على { ما } لا على { أن } الأولى ، لأن المعنى يصير : أصلواتك تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ وهذا قلب ما قصدوه . وأما من قرأ بالتاء فيهما فيصح عطف { أن } الثانية على { ما } لا على { أن } الأولى ، قال بعض النحويين ، ويصح عطفها على { ما } ويتم المعنى في الوجهين . قال القاضي أبو محمد : ويجيء { نترك } في الأول بمعنى نرفض ، وفي الثاني بمعنى نقرر ، فيتعذر عندي هذا الوجه لما ذكرته من تنوع الترك على الحكم اللفظي أو على حذف مضاف ، ألا ترى أن الترك في قراءة من قرأ بالنون في الفعلين إنما هو بمعنى الرفض غير متنوع ، وأما من قرأ بالنون في " نفعل " والتاء في " تشاء " فـ { أن } معطوفة على الأولى ، ولا يجوز أن تنعطف على { ما } لأن المعنى - أيضاً - ينقلب ، فتدبره . وظاهر فعلهم هذا الذي أشاروا إليه هو بخس الكيل والوزن الذي تقدم ذكره ، وروي أن الإشارة هي إلى قرضهم الدينار والدرهم وإجراء ذلك مع الصحيح على جهة التدليس ، قاله محمد بن كعب وغيره ، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : قطع الدراهم والدنانير من الفساد في الأرض ، فتأول ذلك بهذا المعنى المتقدم ، وتؤول أيضاً بمعنى أنه تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس . واختلف في قولهم : { إنك لأنت الحليم الرشيد } فقيل : إنما كانت ألفاظهم : إنك لأنت الجاهل السفيه ، فكنى الله عن ذلك وقيل : بل هذا لفظهم بعينه ، إلا أنهم قالوه على جهة الاستهزاء - قاله ابن جريج وابن زيد - وقيل المعنى : إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك . وقيل : بل قالواه على جهة الحقيقة وأنه اعتقادهم فيه ، فكأنهم فندوه ، أي أنه حليم رشيد فلا ينبغي لك أن تأمرنا بهذه الأوامر ، ويشبه هذا المعنى قول اليهود من بني قريظة ، حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا إخوة القردة " ، يا محمد ما علمناك جهولاً . قال القاضي أبو محمد : والشبه بين الأمرين إنما هو المناسبة بين كلام شعيب وتلطفه ، وبين ما بادر به محمد عليه السلام بني قريظة . وقوله تعالى : { قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة } ، الآية ، هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن واستدعاء رفيق ونحوها عن محاورة شعيب عليه السلام ، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك خطيب الأنبياء . وجواب الشرط الذي في قوله : { إن كنت على بيّنة من ربي } محذوف تقديره : أأضل كما ضللتم وأترك تبليغ الرسالة ؟ ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة ؟ و { بيّنة } يحتمل أن تكون بمعنى : بيان أو بين ، ودخلت الهاء للمبالغة - كعلامة - ويحتمل أن تكون صفة لمحذوف ، فتكون الهاء هاء تأنيث . وقوله : { ورزقني منه رزقاً حسناً } يريد : خالصاً من الفساد الذي أدخلتم أنتم أموالكم . ثم قال لهم : ولست أريد أن أفعل الشيء الذي نهيتكم عنه من نقص الكيل والوزن ، فأستأثر بالمال لنفسي ، وما أريد إلا إصلاح الجميع ، و { أنيب } معناه : أرجع وأتوب وأستند .