Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 30-31)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر الفعل المسند إلى " النسوة " لتذكير اسم الجمع و { نسوة } جمع قلة لا واحد له من لفظه ، وجمع التكثير نساء ، و { نسوة } فعلة ، وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد ، وقد نظمها القائل ببيت شعر : [ البسيط ] @ بأفعل وبأفعال وأفعلة وفعلة يعرف الأدنى من العدد @@ ويروى أن هؤلاء النسوة كن أربعاً : امرأة خبازة ، وامرأة ساقية ، وامرأة بوابة ، وامرأة سجانة . و { العزيز } : الملك ومنه قول الشاعر : [ الرمل ] @ درة غاص عليها تاجر جلبت عند عزيز يوم طل @@ و " الفتى " الغلام ، وعرفه في المملوك - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي ، وليقل فتاي وفتاتي " ، ولكنه قد يقال في غير المملوك ، ومنه { إذ قال موسى لفتاه } [ الكهف : 60 ] وأصل " الفتى " في اللغة الشاب ، ولكن لما كان جل الخدمة شباباً استعير لهم اسم الفتى . و { شغفها } معناه : بلغ حتى صار من قلبها موضع الشغاف ، وهو على أكثر القول غلاف من أغشية القلب ، وقيل : " الشغاف " : سويداء القلب ، وقيل : الشغاف : داء يصل إلى القلب . وقرأ أبو رجاء والأعرج وعلي بن أبي طالب والحسن بخلاف ويحيى بن يعمر وقتادة بخلاف وثابت وعوف ومجاهد وغيرهم : " قد شعفها " بالعين غير منقوطة ، ولذلك وجهان : أحدهما أنه علا بها كل مرقبة من الحب ، وذهب بها كل مذهب ، فهو مأخوذ - على هذا - من شعف الجبال وهي رؤوسها وأعاليها ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " . والوجه الآخر أن يكون الشعف لذة بحرقة يوجد من الجراحات والجرب ونحوها ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ أيقتلني وقد شعفت فؤادها كما شَعَفَ المهنوءةَ الرجلُ الطالي @@ والمشعوف في اللغة الذي أحرق الحب قلبه ، ومنه قول الأعشى : @ تعصي الوشاة وكان الحب آونة مما يزين للمشعوف ما صنعا @@ وروي عن ثابت البناني وأبي رجاء أنهما قرآ : " قد شعِفعما " بكسر العين غير منقوطة . قال أبو حاتم : المعروف فتح العين وهذا قد قرىء به . وقرأ ابن محيصن : { قد شغفها } أدغم الدال في الشين . وروي أن مقالة هؤلاء النسوة إنما قصدن بها المكر بامرأة العزيز ليغضبنها حتى تعرض عليهن يوسف ليبين عذرها أو يحق لومها . وقد قال ابن زيد الشغف في الحب والشغف في البغض ، وقال الشعبي : الشغف والمشغوف بالغين منقوطة في الحب والشعف الجنون والمشعوف المجنون ، وهذان القولان ضعيفان . وقوله تعالى : { فلما سمعت بمكرهن } الآية ، إنما سمي قولهن مكراً من حيث أظهرن إنكار منكر وقصدن إثارة غيظها عليهن ، وقيل : { مكرهن } انهن أفشين ذلك عنها وقد كانت أطلعتهن على ذلك واستكتمتهن أياه ، وهذا لا يكون مكراً إلا بأن يظهرن لها خلاف ذلك ويقصدن بالإفشاء أذاها . ومعنى { أرسلت إليهن } أي ليحضرن ، و { أعتدت } معناه : أعدت ويسرت ، و { متكأ } ما يتكأ عليه من فرش ووسائد ، وعبر بذلك عن مجلس أعد لكرامة ، ومعلوم أن هذا النوع من الكرامات لا يخلو من الطعام والشراب ، فلذلك فسر مجاهد وعكرمة " المتكأ " بالطعام ؛ قال ابن عباس : { متكأ } معناه مجلساً ، ذكره الزهراوي . وقال القتبي : يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا . وقوله : { وآتت كل واحدة منهن سكيناً } يقتضي أنه كان في جملة الطعام ما يقطع بالسكاكين ، فقيل كان لحماً ، وكانوا لا ينتهسون اللحم وإنما كانوا يأكلونه حزاً بالسكاكين ؛ وقيل : كان أترجاً ، وقيل : كان زماورد ، وهو من نحو الأترج موجود في تلك البلاد ، وقيل : هو مصنوع من سكر ولوز وأخلاط . وقرأ ابن عباس ومجاهد والجحدري وابن عمر وقتادة والضحاك والكلبي وأبان بن تغلب " تُكاً " بضم الميم وتنوين الكاف . واختلف في معناه ، فقيل : هو الأترنج ، وقيل : هو اسم يعم ما يقطع بالسكين من الفواكه كالأترنج والتفاح وغيره ، وأنشد الطبري : @ نشرب الإثم بالصواع جهاراً وترى المتك بيننا مستعارا @@ وقرأ الجمهور : " متَّكأ " بشد التاء المفتوحة والهمز والقصر ، وقرأ الزهري : " متّكا " مشدد التاء من غير همز - وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح ، وقرأ الحسن " متكاء " بالمد على إشباع الحركة . و " السكين " تذكر وتؤنث ، قاله الكسائي والفراء ، ولم يعرف الأصمعي إلا التذكير . وقولها : { اخرج } أمر ليوسف ، وأطاعها بحسب الملك ، وقال مكي والمهدوي : قيل : إن في الآية تقديماً وتأخيراً في القصص ، وذلك أن قصة النسوة كانت قبل فضيحتها في القميص للسيد ، وباشتهار الأمر للسيد انقطع ما بينها وبين يوسف . قال القاضي أبو محمد : وهذا محتمل إلا أنه لا يلزم من ألفاظ الآية ، بل يحتمل أن كانت قصة النساء بعد قصة القميص وذلك أن العزيز كان قليل الغيرة بل قومه أجمعين ، ألا ترى أن الإنكار في وقت القميص إنما كان بأن قيل : { إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } [ يوسف : 28 ] وهذا يدل على قلة الغيرة ، ثم سكن الأمر بأن قال : { يوسف أعرض عن هذا } [ يوسف : 29 ] وأنت { استغفري } [ يوسف : 29 ] وهي لم تبق حينئذ إلا على إنكارها وإظهار الصحة ، فلذلك تغوفل عنها بعد ذلك ، لأن دليل القميص لم يكن قاطعاً وإنما كان أمارة ما ؛ هذا إن لم يكن المتكلم طفلاً . وقوله : { أكبرنه } معناه : أعظمنه واستهولن جماله ، هذا قول الجمهور ، وقال عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده : معناه : حضن ، وأنشد بعض الناس حجة لهذا التأويل : [ البسيط ] @ يأتي النساء على أطهارهنّ ولا يأتي النساءَ إذا أكبرن إكبارا @@ قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف من معناه منكور ، والبيت مصنوع مختلف - كذلك قال الطبري وغيره من المحققين ، وليس عبد الصمد من رواة العلم رحمه الله . وقوله : { وقطّعن أيديهن } أي كثرن الحز فيها بالسكاكين ، وقال عكرمة : " الأيدي " هنا الأكمام ، وقال مجاهد هي الجوارح ، وقطعنها حتى ألقينها . قال القاضي أبو محمد : فظاهر هذا أنه بانت الأيدي ، وذلك ضعيف من معناه ، وذلك أن قطع العظم لا يكون إلا بشدة ، ومحال أن يسهو أحد عنها ، والقطع على المفصل لا يتهيأ إلا بتلطف لا بد أن يقصد ، والذي يشبه أنهن حملن على أيديهن الحمل الذي كن يحملنه قبل المتك فكان ذلك حزاً ، وهذا قول الجماعة . وضوعفت الطاء في { قطّعن } لكثرتهن وكثرة الحز فربما كان مراراً . وقرأ أبو عمرو وحده " حاشى لله " وقرأ أبيّ وابن مسعود " حاشى الله " ، وقرأ سائر السبعة " حاش لله ، وفرقة " حشى لله " وهي لغة ، وقرأ الحسن " حاش لله " بسكون الشين وهي ضعيفة وقرأ الحسن - أيضاً - " حاش الإلاه " محذوفاً من " حاشى " . فأما " حاش " فهي حيث جرت حرف معناه الاستثناء ، كذا قال سيبويه ، وقد ينصب به ، تقول : حاشى زيد وحاشى زيداً ، قال المبرد : النصب أولى إذ قد صح أنها فعل بقولهم : حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه . قال القاضي أبو محمد : يظهر من مجموع كلام سيبويه والمبرد أن الحرف يخفض به لا غير ، وأن الفعل هو الذي ينصب به ، فهذه اللفظة تستعمل فعلاً وحرفاً ، وهي في بعض المواضع فعل وزنه فاعل ، وذلك في قراءة من قرأ " حاشى لله " معناه مأخوذ من معنى الحرف ، وهو إزالة الشيء عن معنى مقرون به ، وهذا الفعل مأخوذ من الحشا أي هذا في حشى وهذا في حشى ، ومن ذلك قول الشاعر : [ المعطل الهذلي ] . @ يقول الذي يمسي إلى الحرز أهله بأي الحشى صار الخليط المباين @@ ومنه الحاشية كأنها مباينة لسائر ما هي له ، ومن المواضع التي حاشى فيه فعل هذه الآية ، يدل على ذلك دخولها على حرف الجر ، والحروف لا تدخل بعضها على بعض ، ويدل على ذلك حذف الياء منها في قراءة الباقين " حاش " على نحو حذفهم من لا أبال ولا أدر ولو تر ، ولا يجوز الحذف من الحروف إلا إذا كان فيها تضعيف مثل : لعل ، فيحذف ، ويرجع عل ، ويعترض في هذا الشرط بمنذ وفد حذف دون تضعيف فتأمله . قال القاضي أبو محمد : ومن ذلك في حديث خالد يوم مؤتة : فحاشى بالناس ، فمعنى " حاشى لله " أي حاش يوسف لطاعة الله أو لمكان من الله أو لترفيع الله له أن يرمي بما رميته به ، أو يدعى إله مثله لأن تلك أفعال البشر ، وهو ليس منهم إنما هو ملك - هكذا رتب أبو علي الفارسي معنى هذا الكلام ، على هاتين القراءتين اللتين في السبع - وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود ، فعلى أن " حاشى " حرف استثناء - كما قال الشاعر [ ابن عطية ] : [ الكامل ] @ حاشى أبي ثوبان إنَّ به ضنّاً عن الملحاة والشتم @@ وتسكين الشين في إحدى قراءتي الحسن ، ضعيف ، جمع بين ساكنين ، وقراءته الثانية محذوفة الألف من " حاشى " . قال القاضي أبو محمد : والتشبيه بالملك هو من قبيل التشبيه بالمستعظمات وإن كانت لا ترى . وقرأ أبو الحويرث الحنفي والحسن " ما هذا بشر إن هذا إلا ملِك كريم " بكسر اللام في " ملِك " ، وعلى هذه القراءة فالكلام فصيح لما استعظمن حسن صورته قلن : ما هذا إلا مما يصلح أن يكون عبد بشراء ، إن هذا مما يصلح أن يكون ملكاً كريماً . ونصب " البشر " من قوله : { ما هذا بشراً } هو على لغة الحجاز شبهت { ما } بليس ، وأما تميم فترفع ، ولم يقرأ به . وروي أن يوسف عليه السلام أعطي ثلث الحسن ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أعطي نصف الحسن ، ففي بعض الأسانيد هو وأمه ، وفي بعضها هو وسارة جدة أبيه . قال القاضي أبو محمد : وهذا على جهة التمثيل ، أي لو كان الحسن مما يقسم لكان حسن يوسف يقع في نصفه ، فالقصد أن يقع في نفس السامع عظم حسنه على نحو التشبيه برؤوس الشياطين وأنياب الأغوال .