Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 11-13)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف المتأولون في غير عود الضمير من { له } : فقالت فرقة : هو عائد على اسم الله عز وجل المتقدم ذكره ، و " المعقبات " - على هذا الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم ، والحفظة لهم أيضاً - قاله الحسن ، وروى فيه عثمان بن عفان حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول مجاهد والنخعي - والضمير على هذا في قوله : { يديه } وما بعده من الضمائر عائد على العبد المذكور في قوله : { من هو مستخف } [ الرعد : 10 ] و { من أمر الله } يحتمل أن يكون صفة لـ { معقبات } ويحتمل أن يكون المعنى : يحفظونه من كل ما جرى القدر باندفاعه ، فإذا جاء المقدور الواقع أسلم المرء إليه . وقال ابن عباس أيضاً : الضمير في { له } عائد على المذكور في قوله { من هو مستخف بالليل } [ الرعد : 10 ] وكذلك باقي الضمائر التي في الآية ، قالوا : و { معقبات } - على هذا - حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه ، قالوا : والآية - على هذا - في الرؤساء الكافرين ، واختار هذا القول الطبري ، وهو قول عكرمة وجماعة ، قال عكرمة : هي المواكب خلفه وأمامه . قال القاضي أبو محمد : ويصح على التأويل الأول الذي قبل هذا أن يكون الضمير في { له } للعبد المؤمن على معنى جعل الله له . قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل عندي أقوى ، لأن غرض الآية إنما هو التنبيه على قدرة الله تعالى ، فذكر استواء { من هو مستخف } [ الرعد : 10 ] ومن هو { سارب } [ الرعد : 10 ] وأن { له معقبات } من الله تحفظه في كل حال ، ثم ذكر أن الله تعالى لا يغير هذه الحالة من الحفظ للعبد حتى يغير ما بنفسه . قال القاضي أبو محمد : وعلى كلا التأويلين ليست الضمائر لمعين من البشر . وقال عبد الرحمن بن زيد : الآية في النبي عليه السلام ، ونزلت في حفظ الله له من أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل في القصة التي ستأتي بعد هذا في ذكر الصواعق . قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية وإن كانت بألفاظها تنطبق على معنى القصة فيضعف القول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتقدم له ذكر فيعود الضمير في { له } عليه . و " المعقبات " : الجماعات التي يعقب بعضها بعضاً ، فعلى التأويل الأول هي الملائكة ، وينظر هذا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة المغرب والصبح " ، وعلى التأويل الثاني : هي الحرس والوزعة الذين للملوك . و { معقبات } جمع معقبة وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى ، والتعقيب - بالجملة - أن تكون حال تعقبها حال أخرى من نوعها ، وقد تكون من غير النوع ، ومنه معاقبة الركوب ومعاقبة الجاني ومعقب عقبة القدر والمعاقبة في الأزواج ، ومنه قول سلامة بن جندل : [ البسيط ] @ وكرّنا الخيل في آثارهم رجعاً كسر السنابك من بدء وتعقيب @@ وقرأ عبيد الله بن زياد على المنبر : " له معاقيب " قال أبو الفتح : هو تكسير معقب . قال القاضي أبو محمد : بسكون العين وكسر القاف كمطعم ومطاعيم ، ومقدم ومقاديم . وهي قراءة أبي البرهسم - فكأن معقباً جمع على معاقبة ثم جعلت الياء في معاقيب عوضاً من الهاء المحذوفة في معاقبة ، والمعقبة ليست جمع معقب - كما ذكر ذلك الطبري وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات ، وليس الأمر كما ذكر لأن تلك كجمل وجمال وجمالات ، ومعقبة ومعقبات إنما هي كضاربة وضاربات . وفي قراءة أبيّ بن كعب " من بين يديه ورقيب من خلفه " ، وقرأ ابن عباس : " ورقباء من خلفه " ، وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ : " معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله " . وقوله : { يحفظونه } يحتمل معنيين : أحدهما : أن يكون بمعنى يحرسونه ، ويذبون عنه : فالضمير محمول ليحفظ . والمعنى الثاني أن يكون بمعنى حفظ الأقوال وتحصيلها ، ففي اللفظة حينئذ حذف مضاف تقديره : يحفظون أعماله ، ويكون هذا حينئذ من باب { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] وهذا قول ابن جريج . وقوله : { من أمر الله } من جعل { يحفظونه } بمعنى يحرسونه كان معنى قوله : { من أمر الله } يراد به " المعقبات " ، فيكون في الآية تقديم وتأخير ، أي " له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه " قال أبو الفتح : فـ { من أمر الله } في موضع رفع لأنه صفة لمرفوع وهي " المعقبات " . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل هذا التأويل في قوله : { من أمر الله } مع التأويل الأول في { يحفظونه } . ومن تأول الضمير في { له } عائد على العبد ، وجعل " المعقبات " الحرس ، وجعل الآية في رؤساء الكافرين - جعل قوله { من أمر الله } بمعنى يحفظونه بزعمه من قدر الله ، ويدفعونه في ظنه ، عنه ، ذلك لجهالته بالله تعالى . قال القاضي أبو محمد : وبهذا التأويل جعلها المتأول في الكافرين . قال أبو الفتح : فـ { من أمر الله } على هذا في موضع نصب ، كقولك حفظت زيداً من الأسد ، فمن الأسد معمول لحفظت وقال قتادة : معنى { من أمر الله } : بأمر الله ، أي يحفظونه مما أمر الله ، وهذا تحكم في التأويل ، وقال قوم : المعنى الحفظ من أمر الله ، وقد تقدم نحو هذا . وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وعكرمة وجعفر بن محمد : " يحفظونه بأمر الله " . ثم أخبر تعالى أنه لا يغير ما بقوم - بأن يعذبهم ويمتحنهم معاقباً - حتى يقع منهم تكسب للمعاصي وتغيير ما أمروا به من طاعة . وهذا موضع تأمل لأنه يداخل هذا الخبر ما قررت الشريعة من أخذ العامة بذنوب الخاصة ، ومنه قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [ الأنفال : 25 ] ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم - وقد " قيل له : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ - قال : نعم إذا كثر الخبث " إلى أشياء كثيرة من هذا . فقوله تعالى في هذه الآية : { لا يغير ما بقوم حتى يغيروا } معناه حتى يقع تغيير إما منهم وإما من الناظر إليهم أو ممن هو منهم بسبب ، كما غير الله تعالى بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة ما بأنفسهم ، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة . فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير ، وثم أيضاً مصائب يريد الله بها أجر المصائب فتلك ليست تغييراً . ثم أخبر تعالى أنه { إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له } ولا حفظ منه ، وهذا جرى في طريقة التنبيه على قدرة الله تعالى وإحاطته ، والسوء والخير بمنزلة واحدة في أنهما إذا أرادهما الله بعبد لم يردا ، لكنه خص السوء بالذكر ليكون في الآية تخويف ، واختلف القراء في - وال - فأماله بعضهم ولم يمله بعضهم ، والوالي الذي يلي أمر الإنسان كالولي هما من الولاية كعليم وعالم من العلم . وقوله تعالى : { هو الذي يريكم } الآية ، هذه آية تنبيه على القدرة ، و { البرق } روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مخراق بيد ملك يزجر به السحاب ، وهذا أصح ما روي فيه ، وروي عن بعض العلماء أنه قال : البرق : اصطكاك الأجرام ، وهذا عندي مردود ، وقال أبو الجلد : البرق - في هذه الآية - الماء ، وذكره مكي عن ابن عباس . قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا القول : أنه لما كان داعية الماء ، وكان خوف المسافرين من الماء وطمع المقيمين فيه عبر - في هذا القول - عنه بالماء . وقوله : { خوفاً وطمعاً } - من رأى ذلك في الماء فهو على ما تقدم ، والظاهر أن الخوف إنما هو من صواعق البرق - والطمع في المطر الذي يكون معه ، وهو قول الحسن ، و { السحاب } جمع سحابة ، ولذلك جمع الصفة - و { الثقال } معناه : بحمل الماء ، وبذلك فسر قتادة ومجاهد ، والعرب تصفها بذلك ، ومنه قول قيس بن الخطيم : [ المتقارب ] . @ فما روضة من رياض القطا كأن المصابيح حواذنُها بأحسن منها ولا مزنـة دلوح تكشف أدجانُهـا @@ والدلوح : المثقلة . و { الرعد } ملك يزجر { السحاب } بصوته ، وصوته - هذا المسموع - تسبيح - و { الرعد } اسم الملك : وقيل : " الرعد " اسم صوت الملك وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان إذا سمع " الرعد " قال : " اللهم لا تهلكنا بغضبك ولا تقتلنا بعذابك وعافنا قبل ذلك " وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره : أنهم كانوا إذا سمعوا الرعد قالوا : سبحان من سبحت له وروي عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع " الرعد " قال : " سبحان من سبح الرعد بحمده " وقال ابن أبي زكرياء : من قال - إذا سمع الرعد - سبحان الله وبحمده ، لم تصبه صاعقة . وقيل في الرعد أيضاً إنه ريح تختنق بين السحاب - روي ذلك عن ابن عباس في غير ما ديوان . قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي فيه نظر ، لأنها نزعات الطبيعيين وغيرهم . وروي أيضاً عن ابن عباس : أن الملك إذا غضب وزجر السحاب اصطدمت من خوفه فيكون البرق ، وتحتكّ فتكون الصواعق . وقوله : { ويرسل الصواعق } الآية - قيل : إنه أدخلها في التنبيه على القدرة بغير سبب ساق ذلك . وقال ابن جريج : كان سبب نزولها " قصة أربد أخي لبيد بن ربيعة لأمِّه وعامر بن الطفيل ، وكان من أمرهما - فيما روي - أنهما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه إلى أن يجعل الأمر بعده إلى عامر ابن الطفيل ويدخلا في دينه - فأبى ، فقال عامر : فتكون أنت على أهل الوبر ، وأنا على أهل المدر - فأبى ، فقال له عامر : فماذا تعطيني ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أعطيك أعنة الخيل ، فإنك رجل فارس ؛ فقال له عامر : والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً حتى آخذك ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يأبى الله ذلك وابنا قيلة " ؛ فخرجا من عنده ، فقال أحدهما لصاحبه : لو قتلناه ما انتطح فيه عنزان ، فتآمر في الرجوع لذلك ، فقال عامر لأربد : أنا أشغله لك بالحديث واضربه أنت بالسيف ؛ فجعل عامر يحدثه وأربد لا يصنع شيئاً ؛ فلما انصرفا قال له عامر : والله يا أربد لا خفتك أبداً ولقد كنت أخافك قبل هذا ، فقال له أربد : والله لقد أردت إخراج السيف فما قدرت على ذلك ، ولقد كنت أراك بيني وبينه أفأضربك ؟ فمضيا للحشد على النبي صلى الله عليه وسلم فأصابت أربد صاعقة فقتلته ، ففي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخوه : @ أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد فجعني الرعد والصواعـق بالفارس يوم الكريهة النجد @@ فنزلت الآية في ذلك . وروي عن عبد الرحمن بن صحار العبدي أنه بلغه أن جباراً من جبابرة العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم فقال : أخبروني عن إله محمد أمن لؤلؤ هو أو من ذهب ؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه . وقال مجاهد : إن بعض اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناظره ، فبينما هو كذلك إذ نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه فنزلت الآية فيه . وقوله : { وهم يجادلون في الله } يجوز أن تكون إشارة إلى جدال اليهودي المذكور ، وتكون الواو واو حال ؛ أو إلى جدال الجبار المذكور . ويجوز - إن كانت الآية على غير سبب - أن يكون قوله : { وهم يجادلون في الله } إشارة إلى جميع الكفرة من العرب وغيرهم ، الذين جلبت لهم هذه التنبيهات . و { المحال } : القوة والإهلاك ، ومنه قول الأعشى : [ الخفيف ] @ فرع نبع يهتز في غصن المجد عظيم الندى شديد المحال @@ ومنه قول عبد المطلب : @ لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك @@ وقرأ الأعرج والضحاك " المَحال " بفتح الميم بمعنى المحالة ، وهي الحيلة ، ومنه قول العرب في مثل : المرء يعجز لا المحالة ، وهذا كالاستدراج والمكر ونحوه وهذه استعارات في ذكر الله تعالى ، والميم إذا كسرت أصلية ، وإذا فتحت زائدة ، ويقال : محل الرجل بالرجل إذا مكر به وأخذه بسعاية شديدة .