Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 8-10)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور - قص في هذه الآيات المثل المنبهة على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث : فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب ، وهي أن الله تعالى انفرد بمعرفة ما تحمل به الإناث ، من الأجنة من كل نوع من الحيوان ؛ وهذه البدأة تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة . و { ما } في قوله : { ما تحمل } يصح أن تكون بمعنى الذي ، مفعولة { يعلم } ويصح أن تكون مصدرية ، مفعولة أيضاً بـ { يعلم } ، ويصح أن تكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء ، والخبر : { تحمل } وفي هذا الوجه ضعف . وفي مصحف أبي بن كعب : " ما تحمل كل أنثى وما تضع " . وقوله : { وما تغيض الأرحام } معناه : ما تنقص ، وذلك أنه من معنى قوله : { وغيض الماء } [ هود : 44 ] وهو بمعنى النضوب فهي - هاهنا - بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه ، فلما قابله قوله : { وما تزداد } فسر بمعنى النقصان : ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان : فقال مجاهد " غيض الرحم " أن يهرق دماً على الحمل ، وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب ، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بمهراقة الدم ، فهذا هو معنى قوله : { وما تغيض الأرحام وما تزداد } وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل . وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض ، فيكون قوله : { وما تزداد } - بعد ذلك - جارياً مجرى { تغيض } على غير مقابلة ، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه . وقال الضحاك : غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد ، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تاماً في خلقه . وقال قتادة : الغيض : السقط ، والزيادة : البقاء بعد تسعة أشهر . وقوله : { وكل شيء عنده بمقدار } لفظ عام في كل ما يدخله التقدير ، و { الغيب } : ما غاب عن الإدراكات ، و { الشهادة } : ما شوهد من الأمور ، ووضع المصادر موضع الأشياء التي كل واحد منها لا بد أن يتصف بإحدى الحالتين . وقوله : { الكبير } صفة تعظيم على الإطلاق ، و " المتعالي " من العلو . واختلفت القراءة في الوقف على " المتعال " : فأثبت ابن كثير وأبو عمرو - في بعض ما روي عنه - الياء في الوصل والوقف ، ولم يثبتها الباقون في وصل ولا وقف . وإثباتها هو الوجه والباب . واستسهل سيبويه حذفها في الفواصل - كهذه الآية - قياساً على القوافي في الشعر ، ويقبح حذفها في غير فاصلة ولا شعر ، ولكن وجهه أنه لما كان التنوين يعاقب الألف واللام أبداً ، وكانت هذه الياء تحذف مع التنوين ، حسن أن تحذف مع معاقبه . قال القاضي أبو محمد : ويتصل بهذه الآية فقه يحسن ذكره . فمن ذلك اختلاف الفقهاء في الدم الذي تراه الحامل ، فذهب مالك رحمه الله وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، وجماعة ، إلى أنه حيض . وقالت فرقة عظيمة : ليس حيض ، ولو كان حيضاً لما صح استبراء الأمة بحيض وهو إجماع . وروي عن مالك - في كتاب محمد - ما يقتضي أنه ليس بحيض ، ومن ذلك أن الأمة مجمعة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وذلك منتزع من قوله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } [ الأحقاف : 15 ] مع قوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } [ البقرة : 233 ] . وهذه الستة أشهر هي بالأهلة - كسائر أشهر الشريعة - ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك - وأظنه في كتاب ابن حارث - أنه إن نقص من الأشهر الستة ثلاثة أيام ، فإن الولد يلحق لعلة نقص الشهور وزيادتها واختلف في أكثر الحمل فقيل تسعة أشهر . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف . وقالت عائشة وجماعة من العلماء أكثره حولان ، وقالت فرقة : ثلاثة أعوام وفي المدونة : أربعة أعوام وخمسة أعوام . وقال ابن شهاب وغيره : سبعة أعوام ، ويروى أن ابن عجلان ولدت امرأته لسبعة أعوام ، وروي أن الضحاك بن مزاحم بقي حولين - قال : وولدت وقد نبتت ثناياي ، وروي أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر . وقوله تعالى : { سواء منكم } الآية : { سواء } مصدر وهو يطلب بعده شيئين يتماثلان . ورفعه على خبر الابتداء الذي هو " من " والمصدر لا يكون خبراً إلا بإضمار كما قالت الخنساء : [ البسيط ] : @ … فإنما هي إقبال وإدبار @@ أي ذات إقبال وإدبار . فقالت فرقة هنا : المعنى : ذو سواء ، وقال الزجاج كثر استعمال سواء في كلام العرب حتى جرى مجرى اسم الفاعل فلا يحتاج إلى إضمار . قال القاضي أبو محمد : هو عندي كعدل وزور وضيف . وقالت فرقة : المعنى : مستوٍ منكم ، فلا يحتاج إلى إضمار . قال القاضي أبو محمد : وضعف هذا سيبويه بأنه ابتداء بنكرة . ومعنى هذه الآية : معتدل منكم في إحاطة الله تعالى وعلمه من أسر قوله فهمس به في نفسه ، { ومن جهر به } فأسمع ، لا يخفى على الله تعالى شيء . وقوله تعالى : { ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار } معناه : من هو بالليل في غاية الاختفاء ، ومن هو متصرف بالنهار ذاهب لوجهه ، سواء في علم الله تعالى وإحاطته بهما . وذهب ابن عباس ومجاهد إلى معنى مقتضاه : أن " المستخفي والسارب " هو رجل واحد مريب بالليل ، ويظهر بالنهار البراءة في التصرف مع الناس . قال القاضي أبو محمد : فهذا قسم واحد جعل الليل نهار راحته ، والمعنى : هذا والذي أمره كله واحد بريء من الريب سواء في اطلاع الله تعالى على الكل ، ويؤيد هذا التأويل عطف السارب دون تكرار { من } ولا يأتي حذفها إلا في الشعر و " السارب " - في اللغة - المتصرف كيف شاء ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الأخنس بن شهاب الثعلبي ] [ الطويل ] @ أرى كل قوم كاربوا قيد محلهم ونحن حللنا قيده فهو سارب @@ أي متصرف غير مدفوع عن جهة ، هذا رجل يفتخر بعزة قومه ، ومن ذلك قول الآخر : [ قيس بن الخطيم ] [ الكامل ] @ إني سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب @@ وتحتمل الآية أن تتضمن ثلاثة أصناف : فالذي يسر طرف ، والذي يجهر طرف مضاد للأول ، والثالث : متوسط متلون : يعصي بالليل مستخفياً ، ويظهر البراءة بالنهار . و { القول } في الآية يطرد معناه في الأعمال . وقال قطرب - فيما حكى الزجاج - { مستخف } معناه : الظاهر من قولهم خفيت الشيء إذا أظهرته . قال القاضي أبو محمد : قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلّب @@ قال : و { سارب } معناه : متوار في سرب . قال القاضي أبو محمد : وهذا القول - وإن كان تعلقه باللغة بيناً - فضعيف ، لأن اقتران الليل بـ " المستخفي " ، والنهار بـ " السارب " - يرد على هذا القول .